الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

قراءة في بعض مواد القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات

    قراءة في بعض مواد القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات
   كما يقال لكل داخل عترته او دهشته و هذا القول لا ينطبق على الأشخاص وحدهم و إنما على عالم القوانين بمختلف تراتبيتها كذلك .
    و فعلا دخل القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات حيز التطبيق في اليوم الموالي لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات بعثراته المختلفة التي أربكت مجالس الجماعات في تدبير بعض قضايا الشأن العام المحلي. و خصوصا فيما يتعلق بنقط جدول أعمالها الخاص بأول دورة خلال هذه الولاية ? و كيفية دراستها إضافة إلى كيفية تعامل سلطة الوصايا معها ? .
و من هذا المنطلق ، نجد بعض الجماعات قررت إدراج نقطة دراسة النظام الداخلي و كذا النقطة المتعلقة باستكمال هياكل المجلس بتكوين اللجان الدائمة في جلسة أولى ، و إرجاء النقطة المتعلقة بدراسة الميزانية إلى جلسة ثانية و مبررها في ذلك الانضباط للنص القانوني الذي يوجب عرض الميزانية على لجنة الميزانية و الشؤون المالية و البرمجة . في حين أنها سقطت في نفس الفخ و هو عدم الانضباط للمادة 25 التي تقضي بان إحداث اللجان يتم خلال أول دورة يعقدها المجلس بعد مصادقته على نظامه الداخلي المنصوص عليه في المادة 32 من القانون التنظيمي.

أما الصنف الثاني من الجماعات فقد عمل على إدراج النقطة المتعلقة بالنظام الداخلي في الجلسة الأولى و النقطة المتعلقة بالميزانية في الجلسة الثانية. و ترك مسالة تكوين اللجان إلى دورة استثنائية لاحقة و ذلك بحجة الانضباط للقانون و خصوصا المادة 33 التي تفرض اجتماع المجلس في الأسبوع الأول من الشهر المحدد لعقد الدورة و كذا احترام الآجال القانونية لاعتماد ميزانية الجماعة إضافة إلى الانضباط للمادة 25 السالفة الذكر ، لكن رغم هذا سقطت في مخالفة المادة 28 التي تفرض عرض النقط المدرجة في جدول أعمال المجلس على اللجان لزوما. و المادة 185 التي تقضي بعرض الميزانية على اللجنة المعنية داخل 10 أيام على الأقل قبل انعقاد الدورة.
و أخيرا فقد اختار صنف آخر من الجماعات عرض جميع النقط في جلسة واحدة و تمت فيها المصادقة على النظام الداخلي للمجلس و على النقطة المتعلقة بتكوين اللجان الدائمة للمجلس و كذا المصادقة على ميزانية السنة المقبلة.
وبناء على ما سلف قد يتساءل المتتبع للشأن العام المحلي عن مدى قانونية أشغال مداولات هذه المجالس ? و كيف سيتعامل السيد عامل العمالة أو الإقليم مع المقررات المنبثقة عن هذه المداولات ?   خصوصا و أن القانون التنظيمي يعطي له صلاحية التعرض على المقررات المتخذة خرقا لمقتضيات القانون التنظيمي .
لملامسة هذه الإشكالية ، سأحاول التطرق لبعض مواد القانوني التنظيمي المتعلق بالجماعات التي تشكل الإطار المرجعي الوحيد في هذا الشأن مع محاولة الترجيح بين الحالات السالفة الذكر.
بالرجوع لمواد القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات سأقف عند أربعة مواد مؤطرة و منظمة لعقد أول دورة عادية بالنسبة لهذه الولاية (2015-2020). يتعلق الأمر بالمواد 25 – 28 –115 – 156 و 185 التي تنظم كل واحدة منها مسألة من مسائل تسيير المجلس الجماعي موضوع هذه الإشكالية.
أول نقطة يجب الحسم فيها قبل التطرق لمضمون هذه المواد هي مسالة درجة إلزامية هذه القواعد بمعنى هل هي قواعد آمرة أم مكملة. فالإلزام هو من خصائص القاعدة القانونية ، جميع القواعد القانونية هي قواعد ملزمة ، إلا أن درجة الإلزام تختلف من قاعدة إلى أخرى ، و هو ما يعبر عنه فقهاء القانون بالقواعد الآمرة و القواعد المكملة . و الفرق بينهما باختصار شديد هو أن القاعدة الآمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالف حكمها ، أما القاعدة المكملة أو المفسرة فهي التي يجوز الاتفاق على مخالفة حكمها. معيار التمييز بينها يتخذ صورتين المعيار الشكلي / اللفظي أو المعيار الموضوعي.
و إذا طبقنا المعيار الأول على المواد السالفة الذكر نخلص إلى أن جميع مواد القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات هي قواعد قانونية آمرة لا يجوز مخالفتها بمقتضى المادة 115 من نفس القانون التي ترتب جزاء البطلان بحكم القانون على جميع المقررات و القرارات التي لا تدخل في صلاحيات مجلس الجماعة أو رئيسه أو المتخذة خرقا لأحكام هذا القانون التنظيمي و كذا النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل . إذن مقتضيات مواد القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات كلها قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها باتخاذ مقررات تخالف أحكامها .
بالنسبة لاستكمال أجهزة المجلس الجماعي بتكوين لجانه الدائمة تنظمها المادة 25 من القانون التنظيمي المذكور ،التي تنص على أن مجلس الجماعة يحدث، خلال أول دورة يعقدها بعد مصادقته على نظامه الداخلي ، لجنتين دائمتين على الأقل و خمسة على الأكثر.
فنص هذه المادة تم تأويله من طرف البعض على انه في نفس الدورة يقوم المجلس الجماعي بالمصادقة على النظام الداخلي للمجلس في نقطة أولى و بعدها يمر لتشكيل الجان الدائمة المقررة بمقتضى النظام الداخلي . أما التوجه الثاني فيفهم من نص المادة أن المجلس يحدث اللجان الدائمة خلال أول دورة يعقدها بعد الدورة التي يصادق فيها المجلس على نظامه الداخلي . و للنظر في هذه الإشكالية يجب الرجوع أولا لاستقراء نية المشرع لمحاولة استنباط التفسير الصحيح لمقتضى النص ما دام أن الاجتهاد القضائي لا يمكن تصوره لحداثة هذا القانون و أن الأمر لم يصل بعد لردهات المحاكم. و بالرجوع لمحاضر أشغال لجنة الداخلية و الجماعات الترابية و السكنى و سياسة المدينة بمجلس النواب و كذا عرض السيد وزير الداخلية حول المضامين الأساسية لمشروع هذا القانون التنظيمي المقدم أمام اللجنة ، لم نعثر حسب اطلاعي على ما يفيد في هذا الشأن .
و أنا أأيد التوجه الثاني بالنظر إلى وجود مقتضيات من نفس القانون التنظيمي تعضد المفهوم الثاني الذي يقضي بان تكوين اللجان الدائمة للمجلس يجب أن يتم خلال الدورة التي تلي دورة المصادقة على النظام الداخلي سواء كانت دورة عادية أو استثنائية ، و هي مقتضيات المادة 32 التي تحدد وقت دخول النظام الداخلي حيز التنفيذ و هو مرور 8 أيام من تاريخ توصل العامل بمقرر المصادقة دون التعرض عليه. اذ المنطق القانوني لا يسمح بتطبيق نصوص قبل حلول تاريخ دخولها حيز التنفيذ . و ذلك بتشكيل اللجان الدائمة المحددة بمشروع هدا النظام.
أما فيما يخص عرض النقط المدرجة في جدول أعمال المجلس على اللجان الدائمة المختصة ، فهو منظم بمقتضى المادة 28 التي تقضي بعرض النقط المدرجة في جدول أعمال المجلس لزوما على اللجان الدائمة بالنسبة للدورات العادية أما الدورات الاستثنائية فليس هناك إلزام، و هو ما يستفاد من عبارة ” مع مراعاة مقتضيات المادتين 36 و 37 أدناه ” . نلاحظ أن نص هذه المادة هو نص عام يهم جميع النقط المدرجة بجدول أعمال المجلس بما في ذلك النقطة المتعلقة بالميزانية و النقط ذات الانعكاس المالي على الجماعة، و هي قاعدة آمرة بالنظر لما ذكر أعلاه و كذلك لفظ اللزوم الوارد بها.
أما المادة 185 فجاءت لتؤكد ما سبق تقريره بمقتضى المادة 28 و توضيح ثلاثة أمور تتعلق باعتماد الميزانية و هي : 1) الوثائق الضرورية التي يجب إرفاقها مع الميزانية عند عرضها على اللجنة المعنية. 2) الأجل الذي تعرض فيه الميزانية على أنظار اللجنة المعنية و هو 10 أيام على الأقل قبل افتتاح الدورة . 3) تحديد الأجل الأقصى لاعتماد الميزانية من طرف المجلس الجماعي و هو 15 نونبر. إذن مقتضيات هذه المادة لا تتعارض مع مقتضيات المادة 28 حتى نتذرع بالمبدأ القائل بان الخاص يعقل العام أو بعبارة أخرى يقدم على العام. و نلزم الجماعات بضرورة عرض النقطة المتعلقة بدراسة الميزانية دون غيرها على اللجنة المختصة .خصوصا و أن تطبيق هذه المادة معلق على شرط صدور مرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية يحدد الوثائق المشار إليها. و بالتالي ليس هناك ما يبرر التشبث بعرض النقطة المتعلقة بدراسة ميزانية السنة المقبلة على اللجنة المختصة دون باقي النقط الأخرى المضمنة في جداول أعمال المجالس الجماعية .
بعد محاولة ملامسة هذه الإشكالية من خلال ما سبق ، يمكن التساؤل عن التوجه الذي ستسلكه مصالح العمالة أو الإقليم في التعامل مع مثل هذه القضايا . خصوصا إذا علمنا أن بعض العمالات قامت بمراسلة بعض الجماعات الخاضعة لتراب نفوذها بإضافة نقط في جداول أعمال مجالسها و هي تعلم أنها لم تتوصل بالنظام الداخلي لها و أن اللجان لم تكون بعد، و بالتالي يفهم من تصرفها هذا التساهل و الحيد عن تطبيق مقتضيات المادة 28 التي تلزم عرض نقط جدول أعمال الدورة على اللجان المختصة كاستثناء مقرر في هذه الجلسة الأولى من حياة المجلس الجديد. و هو توجه سليم في نظري لان محاولة احترام جميع المواد المؤطرة لعقد دورة أكتوبر لهذه السنة لا يمكن تصوره إلا في حالة واحدة و هي إدراج نقطة فريدة خلال دورة أكتوبر تتعلق بالمصادقة على النظام الداخلي للمجلس ، و بعد مرور 8 أيام من تاريخ التوصل بمقرر المصادقة عليه من طرف العامل دون التعرض عليه تعقد دورة استثنائية لتكوين اللجان الدائمة للمجلس ، و بعدها دورة استثنائية ثانية لدراسة النقط المختلفة المتعلقة بتدبير الشأن العام المحلي بعد عرضها على اللجان احتراما لمقتضيات مواد هذا القانون التنظيمي .
هذا رأيي المتواضع بخصوص الإشكالية أعلاه، فان كنت وفقت فمن الله ، و إن لم أكن كذلك فمني و من الشيطان . و الله اسأل التوفيق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق