الثلاثاء، 10 مايو 2016

قراءة في مرسوم الضابط العام للبناء

قراءة في مرسوم الضابط العام للبناء

اشرف اولادالفقيه*
 
تقديم :
إن قطاع التعمير باعتباره قطاع حيوي تتداخل فيه مجموعة من الرؤى ويتقاسمه مجموعة من الفرقاء والمتدخلين، يجعل التحكم به وتوجهيه أمرا صعبا وأشبه بالمستحيل. مما أصبحت معه المساطر والمسالك التي تدرس وفقها طلبات رخص التعمير متجاوزة، ولم تعد تساير العصر الحالي، سواء من حيث السرعة في دراسة هذه الملفات أو من حيث المرونة والشفافية.

ولتجاوز هذا الوضع صدر مؤخرا في الجريدة الرسمية عدد 6155 بتاريخ 27 مايو 2013 (موافق 16 رجب 34 14)، ضمن النصوص العامة، مرسوم رقم 2.13.424 بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها، ويصنف هذا المرسوم ضمن المراسيم ذات الطابع التنظيمي، بما له من قوة قانونية أكبر من الدوريات والمناشير الوزارية. ويتكون هذا المرسوم من ستة أبواب و49 مادة، فضلا عن 8 ملحقات. وتتوزع هاته الأبواب بين الغرض ونطاق التطبيق ومذكرة المعلومات التعميرية وتسليم الإذن بالتجزيء وإحداث المجموعات السكنية وتقسيم العقارات وتسيلم رخص البناء والسكن وشهادة المطابقة ومساطر التدبير اللامادي للملفات، وأخيرا مقتضيات عامة.
ويندرج هذا المرسوم في إطار إصلاح المنظومة المحددة لتسليم رخص التعمير، وإرساء قواعد جديدة للتنافس وتحسين مناخ الأعمال والاستقطاب الفعال للاستثمار؛ فضلا عن الدفع بالجهوية المتقدمة خطوات إلى الأمام وتعزيز الديمقراطية بكل مستوياتها وإرساء مبادئ الحكامة الجيدة لتدبير الشأن العمومي.
هذا، ويمكن اعتبار هذا المرسوم تفعيلا للمادة 59 من القانون 90 - 12 المتعلق بالتعمير الذي طال انتظاره(حوالي 20 سنة)، وهو بذلك يعد قفزة نوعية للحد من الإشكاليات المطروحة على مستوى توحيد المساطر وآجال التراخيص في ميدان البناء والتعمير. وهو أيضا محاولة وإجراء لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار بالمغرب للحد من الممارسات المشينة واحتكار المعلومة والاستفراد بالقرار أو الرأي وسد الثغرات القانونية والمساحات الفارغة التي كانت تتخلل النصوص السابقة، ولاسيما بخصوص: الرخص التعميرية، كثرة النصوص والمسا طر (ما يفوق 100 نص في المتوسط)، تعدد المتدخلين (أكثر من 10 متدخلين) وتشتت المسؤوليات وعدم وضوحها، وكذا غياب دليل مسطري يحدد أسس وقواعد تدبير ملفات مشاريع التجزيء والبناء. هذا، فضلا عن توجيه خطاب ضمني وإشارات ضوء إلى وكالات التعمير لتتخلى عن مهمة تدبير ملفات مشاريع التجزيء والبناء التي تستحوذ على 80 في المائة من وسائلها البشرية والتقنية لفائدة الجماعات المحلية، على أن تتحول هاته الوكالات إلى مكاتب عمومية للدراسات العمرانية، تضع استراتيجيات التخطيط العمراني والارتقاء الحضري في إطار تنمية مندمجة ومستدامة. وهو مسعى نـُودِي به، منذ أكثر من عشر سنوات، في كل الملتقيات الوطنية والجهوية التي تناولت أدوار وكالات التعمير.

ولكون المرسوم الجديد المتعلق بضابط البناء العام خرج من رحم مشاريع قوانين كبرى طال انتظار إخراجها إلى حيز الوجود، سيسيل كثير من المداد خصوصا لمتتبعي قضايا التعمير والتهيئة. وهكذا سمحت القراءة الأولية لهذا المرسوم بالوقوف على عدة ملاحظات تتفاوت بين مستجدات نعتبرها نقاط للقوة، وأمور ثم إغفالها مما تشكل عيوبا ونواقص وجب الوقوف عندها، مع التذكير بأهم الإجراءات المزمع تفعليها قصد تنزيل هذا المرسوم حيز التنفيذ في أفق الأشهر المقبلة . وقبل الخوض في ذلك، وجب التذكير في المسطرة الحالية المتبعة لدراسة ملفات طلبات رخص البناء وفقا للخطاطات التالية:
أولا: مستجدات مرسوم ضابط البناء العام.
يمكن إجمال المستجدات التي جاء بها مرسوم ضابط البناء العام وفق النقاط التالية:
1. اعتماد المعيار الديموغرافي كأساس لإحداث الهياكل المكلفة بتدبير ملفات مشاريع التجزيء والبناء، عوض التقسيم التقليدي جماعات حضرية وقروية.
الإقرار الفعلي بقانونية مذكرة المعلومات التعميرية، وفق الملحق رقم 1
خلق هياكل جديدة تتولى دراسة ملفات طلبات الرخص والأذون، وتتشكل من: الشباك الوحيد للتعمير على صعيد الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50 ألف نسمة، واعتباره المخاطب الوحيد لأصحاب الشأن والمستثمرين، خولت له صلاحيات البت ودراسة الملفات والقيام بكافة التدابير اللازمة لمنح الرخص، وكذا إعداد القرارات الإدارية التي تعرض للتوقيع (الكتابة... إلخ) واللجنة الإقليمية للتعمير بالنسبة للجماعات التي تقل أو تساوي ساكنتها 50 ألف نسمة، حيث أنيط بها نفس مهام الشباك الوحيد للتعمير.

2. ترك باب الاجتهاد والاقتراح للجماعات المحلية باتفاق مع السلطات الترابية المحلية والإدارات المعنية لإمكانية إحداث الشباك الوحيد للتعمير بالنسبة إلى الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة، وذلك لتجاوز كل إشكال قد يطرح بالنسبة إلى الجماعات التي تشهد تحولا عمرانيا ملموسا أو ستعرف تحولا ديموغرافيا مع مرور السنيين.
3. تحديد عنصر الزمن والآجال الواجب احترامها في دراسة الملفات وإبداء الرأي ومنح الرخص حسب كل مشروع (المشاريع الصغرى أو الكبرى) سعيا إلى التقليص ما أمكن من الآجال التي كانت موضوع عدة انتقادات.
التمييز بين الوثائق الأساسية والتكميلية المكونة للملفات، وهاته الأخيرة لن تكون سببا لعدم قبول إيداع الملف أو رفض دراسته من اللجان المكلفة بذلك.

4. الإقرار بضرورة توفر الكفاءة والأهلية لدى الأشخاص الممثلين في حظيرة لجان دراسة وإبداء الرأي في الملفات، لاتخاذ القرار في وقته بدون تردد أو اتكالية والاختفاء وراء رأي مصلحة أو هيئة معينة.
5. تحديد أماكن إيداع الملفات: مكتب ضبط الشباك الوحيد للتعمير، مكتب ضبط الجماعات ومقر العمالة أو الإقليم، لتفادي الفوضى الملاحظة في هذا الميدان.
6. الإبقاء على الرأي المطابق الذي يبديه ممثل وكالة التعمير في حظيرة اللجان، وبهذا يبقى قرار رئيس الجماعي مشروطا إلى حد ما.
7. حصر مسطرة دراسة الملفات في المشاريع الكبرى والصغرى بدمج الأشغال الطفيفة والمنشآت الموسمية والعرضية بهاته الأخيرة.
8. الإقرار بتعميم انضمام ممثل العمالة أو الإقليم إلى اللجنة المكلفة بمعاينة مشاريع طلبات رخص السكن والمطابقة، مع فتح إمكانية الاعتماد على شهادة المهندس المعماري الذي يتولى تتبع وإدارة أشغال البناء عوض المعاينة التي تقوم بها لجان رخص السكن وشواهد المطابقة.
9. التنصيص على مساطر التدبير اللامادي المتعلقة بإيداع الملفات ودراستها وتسليم الرخص.
10. تكليف عمال العمالات أو الأقاليم بالسهر على أن تمارس الجماعات والإدارات والمؤسسات العمومية اختصاصاتها في إطار احترام الآجال المحددة قانونيا من أجل تسليم رخص البناء والتجزيء وتقسيم العقارات وإحداث المجموعات السكنية ورخص السكن وشواهد المطابقة وتخويلهم حق اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة عدم احترام الآجال المحددة.
ثانيا : عيوب ونقائص المرسوم.
رغم الإيجابيات المتعددة لمرسوم ضابط البناء العام إلا أنه أغفل أو تناسى نقاط مهمة يمكن إجمالها فيما يلي:
1. اقتصار المرسوم على الجوانب المسطرية، أي كيفية إعداد الملفات ومساطر البت... إلخ. في حين كان ينتظر أن يكون هذا الضابط أكثر شمولية بحيث يتناول جوانب أخرى من قبيل قواعد السلامة والصحة والمرور والجمالية والراحة العامة للبنايات طبقا لما هو وارد في المادة 59 من القانون 90 - 12 المتعلق بالتعمير…
2. عدم ذكر مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بهذا القطاع، وخصوصا النصوص التنظيمية والتشريعية المتعلقة بالهيئات الوزارية الموقعة لهذا المرسوم والتي ستساهم في إعداد المقررات والقرارات المشتركة لتنزيل هذا المرسوم.
3. إغفاله لرخصة الهدم (تكوين الملف، المسطرة ولجن البت،... إلخ)؛ خصوصا أنه لوحظ مؤخرا ارتفاع عدد المنازل التي تهدم أويعاد بناؤها من طرف أصحابها في الأنسجة القديمة أو العتيقة والمجالات التي عرفت تحولا أو انتقالا عمرانيا بناء على وثائق تعميرية جديدة.
4. عدم تعيين المرسوم لرئاسة اللجان والمؤهلات المطلوبة في التمثيليات حتى يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة.
5. عدم تحديد النصاب القانوني الذي يسمح للجان بمباشرة أعمالها، (في حالة غياب أحد أعضائها الدائمين).
6. إغفال موضوع تسلم مشاريع التجزئات والمجموعات العمرانية، وخصوصا الجانب المتعلق بتحديد الآجال.
7. عدم تحميل المرسوم واضعي المشاريع (المهندسين المعماريين) أية مسؤولية مهنية-أخلاقية .
8. نسيان وضع جذاذة لتتبع أثر وسيرورة ملفات المشاريع، تكون قاعدة أساسية لإعطاء المعلومة في أسرع وقت.
ثالثا: الإجراءات المطلوبة لتنزيل المرسوم حيز التنفيذ.
حتى تتسنى بداية العمل بأحكام هذا المرسوم (اليوم الأول من الشهر السادس الذي يلي تاريخ نشره بالجريدة الرسمية)، يتعين على السلطات المعنية القيام بمجموعة من الإجراءات نوجزها فيما يلي:
1. الإعداد والمصادقة على القرارات المشتركة بين السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتعمير والداخلية في ما يخص الشباك الوحيد.
الإعداد والمصادقة على قرار عامل العمالة أو الإقليم المعني في ما يتعلق بمقر اللجنة الإقليمية للتعمير.

2. الإعداد والمصادقة على قرار مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتعمير والداخلية في ما يخص الوثائق اللازمة الأساسية والتكميلية المكونة لملفات طلبات الرخص.
3. الإعداد والمصادقة على قرار مشترك للسلطات الحكومية المكلفة بالتعمير والداخلية والتكنولوجيات الحديثة لإعمال مساطر التدبير اللامادي لإيداع ودراسة طلبات الرخص ووضع القواعد المعطيات الرقمية التفاعلية.
4. توفير الوسائل البشرية واللوجستيكية ومقرات مجهزة (أرشيف المراجع والمستندات) لمباشرة اللجان أعمالها بشكل سليم وشفاف مع احترام الآجال المسطرة بالمرسوم.
5. إمكانية نقل المكتب المكلف باستخلاص رسوم وكالات التعمير،
Rémunération Des Service Rendus
بجانب مقرات الشباك الوحيد واللجنة الإقليمية للتعمير في حالة الإبقاء عليها.

خـــــــــاتمــــة:
يعتبر هذا الضابط بحق أداة جديدة لتنظيم وتحديد المساطر والمسالك التي ستدرس وفقها رخص التعمير بكل أنواعها، في ظل قطاع –أي التعمير-شائك متجذرة مشاكله. إذ يرمي المرسوم إلى ضبط وتقليص الآجال المحددة لكل مرحلة من مراحل الدراسة على حدة، انطلاقا من إيداع الملفات إلى حين تسليم الأذون ورخص السكن وشهادات المطابقة، وضبط مسطرة تسليم شهادات المطابقة ورخص السكن من خلال تحديد آجال برمجة لجان المعاينة، وتوحيد المسطرة المعمول بها على الصعيد الوطني لتفادي العمل بدوريات ومناشير متعددة ومناهج عمل مختلفة، إلى جانب تحديد المسؤوليات المناطة بمختلف المتدخلين، وفقا للتشريعات والأنظمة الجاري بها العمل. وبالرغم على تنصيص هذا الضابط على مجموعة من الإجراءات تمتاز بالقوة من أجل الحصول على مسطرة سليمة . إلا أن هناك نواقص وعيوب وحب على الجميع تجاوزها خلال الممارسة العملية بتكوين رؤية واضحة واستراتجية دقيقة كفيلة بأن توحد الرؤى لدى مختلف المتدخلين، لتكون مصلحة المواطن والبلد هي الهدف الأول والأخير.
*إطار عال بالوكالة الحضرية للعيون،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق