الجمعة، 22 يوليو 2016

الحكامة الترابية : قراءة في مشروع القانون التنظيمي للجماعات رقم 14- 113



الحكامة الترابية : قراءة في مشروع القانون التنظيمي للجماعات رقم 14- 113                                                 كتابة :حميجو ابراهيم(تيفاوت بريس)

من المعلوم أن الدستور المغربي الحالي لسنة 2011 قد خصص بابا كاملا للحكامة الجيدة، باعتبارها الأسلوب التشاركي للحكم ولتدبير الشؤون العامة، الذي يرتكز على تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين في القطاع العام والخاص، وكذلك المجتمع المدني، بهدف تحقيق العيش الكريم المستدام لجميع المواطنين.

كما انه من المعلوم ايضا ان هناك ارتباطا وثيق الصلة بين الحكامة والتنمية، والتنمية المحلية أساس للتنمية الشاملة للتراب الوطني، ولما كان التشريع هو الذي يمهد للتنمية بتوزيع الاختصاصات وتنظيم الهيئات، فقد ساير المشرع الحكومي نظيره الدستوري، وافرد للجماعات الترابية في المشروع موضوع التحليل، مجموعة من المقتضيات التي تهم مجال الحكامة. وقبل أن اتناول بالتحليل هده المقتضبات، أقف أولا عند اختلالات الحكامة الترابية، ثم سأحاول وضع دعامات للحكامة الجيدة، للخروج بتحليل موضوعي لنص المشروع ومحاولة تقييم مقتضيات الحكامة فيه.  
    الاختلالات الحالية للحكامة الترابية:                                                                                                                   مند اعتبار التراب مجالا لممارسة الديموقراطية، ولزرع بدور التنمية عبر خيار اللامركزية الذي نهجه المغرب مند اول تنظيم جماعي في ستينيات القرن الماضي، مرورا بالنقلة الهامة وايلاء الجماعات اهمية قصوى عبر ظهير 1976، ثم التصحيح و الاغناء بالميثاق الجماعي الحالي، كانت قواعد الحكامة حاضرة، إلا ان الممارسة افرزت ولازالت اختلالات:                             منها تغييب مشاركة وإدماج مختلف المكونات المجتمعية والمجالات الترابية في المسار التنموي، فقد ظلت الجماعة تمارس اختصاصاتها في عزلة تامة، ويغلب على مهامها تصريف اليومي وانتظار الادن من الوصاية لتنفيذ البرامج التي سطرتها غالبا بإلحاح الوصاية أيضا، فالمخطط الجماعي للتنمية الذي جاء به الميثاق الجماعي الحالي اعطى فرصة جادة وهامة للجماعات من اجل بلورة استراتيجياتها التنموية عبر اشراك المحيط الاجتماعي والاقتصادي في البرامج مع إدماجه الا اغلب الجماعات سارعت الى اعداد مخططاتها التنموية بناء على معطيات جاهزة تعتبر في احايين كثيرة غير ملامسة للتراب الجماعي من خصوصياته وأولوياته الى تركيبته الاجتماعية والثقافية، الى درجة اننا نجد بعض المخططات الجماعية للتنمية متشابهة رغم اختلاف المجال والأولويات والتركيبة الاجتماعية والثقافية، منها غياب المساءلة وتقديم الحساب من طرف المسؤولين عن تدبير الشأن الجماعي،  والمساءلة هاته لا تعني فقط تبرير النفقات والاعتمادات، بل  تلك التي تمتد الى الجدوى والآثار على التنمية، وعلى التراب الجماعي وحتما على الإنسان وتفديم الحساب لا يكون فقط امام المؤسسات الخاصة بالرقابة، بل امام المواطن كي يتمكن من بناء وعي وتكوين رأي، ليساهم بالرأي و الاستشارة وهده الشفافية المنشودة في تقديم الحسابات يجب ان تكون تلقائية وعفوية في اندماج تام بين المسؤول والمواطن. ومنها تفشي ظاهرة الفساد كاحدى تجليات الحكامة السيئة، فقد اظهرت تقارير هيئات المراقبة هدا الخلل التدبيري الراجع اساسا الى منظومة قيمية متدهورة، ولكن ايضا الى تواضع المراقبة ورمزيتها اكثر من زجريتها.

وسأحاول الان وضع نظرية لبنات بناء الحكامة الجيدة التي ارى انها ضرورية لتقوية بنيان التدبير الترابي وبالتالي التنموي : لبنة النزاهة، كمنظومة للقواعد والقيم المتقدمة المؤطرة لمسؤولية الحفاظ على الموارد والممتلكات واستخدامها بكفاءة للغاية التنموية، وهي لبنة اساسية لارتباطها بسوسيولوجيا الجماعة ناخبين ومنتخبين، وايضا لارتباطها بالهيئات السياسية التي ينبغي عليها ممارسة حكامة داخلية في اختيار وتزكية الافراد، الاصلح للمجال كفاءة وقيميا، لبنة الشفافية، كمدخل اساسي لتوفير المعلومات الدقيقة في حينها، وانفتاح المعلومة نشرا وفهما ومشاركة، بشكل التداول الطبيعي، هدا الانفتاح سيعزز الثقة، سيساهم في التسويق للتنمية بشكل يؤجج لدى المواطن الرغبة في المساهمة، كما ان هده المعلومة يجب ان تلامس الواقع وترتبط به، لبنة التنمية، فكل برنامج ترابي، وكل تدبير وتموبل، كل تحرك للموارد المادية والبشرية والمعلوماتية يجب ان ينحو اتجاها واحدا، اتجاه التنمية، فالجماعات الترابية غايتها الاساسية هي التنمية، اد ليست ملعبا لممارسة الديموقراطية فقط والتنافس بين الأحزاب فتلك وسيلة فقط غايتها تنمية التراب.                                                                                  مقتضيات الحكامة في مشروع القانون التنظيمي:                                                                                                  جاء في مذكرة تقديم السيد وزير الداخلية لمشروع القانون التنظيمي للجماعات ان هدا الاخير يعرض ضمن قضاياه لقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر لشؤون الجماعة، وكدا بمراقبة تدبير البرامج وتقييم الاعمال وإجراءات المحاسبة                                                                                                                                              الفقرة التي نقلتها مذكرة التقديم من المادة الاولى للمشروع تحيلني على الحديثعن الحكامة في اربع مواطن داخل النص:الحكامة في تدبير وتسيير الجماعة، يمكن ملامستها من خلال مقتضى الانتخاب بالاقتراع المباشر لتكوين المجلس الجماعي، وهي اهم قاعدة لممارسة الديموقراطية، ولذلك حافظ عليها المشرع الحكومي كونها تشكل مكسبا وربحا خاصة مع الاصرار والتأكيد على ضرورة نزاهة الاقتراع. نلمسها ايضا في طبيعة هياكل المجلس،فبالإضافة الى الجهاز التنفيذي للمجلس،تشكل اللجان اساس عمله، لكن غيب النص الزامية عمل هده اللجان التي غالبا تبقى حبرا على ورق وهو ما يعد في نظري فلتة غاية في الاهمية سقطت من مقتضى الحكامة، ينضاف الى دلك تسمية لجنتين فقط إلزاميتين فعمل اللجان اساسي باعتبارها مجال النقاش وبلورة ودراسة المقترحات قبل تقديمها الى المجلس خلال انعقاده في دوراته العادية و الاستثنائية، العادية التي قلصها المشرع الى ثلاث، ربما انسجاما مع باقي دورات اصناف الجماعات الترابية الأخرى خاصة وان الدورات الاستثنائية الية متاحة.الحكامة في الاختصاصات، استهل المشرع الاختصاصات يالحديث عن مبدأ التفريع، وطبعا لاشك انه اعتمد عليه لإسناد الجماعة اختصاصاتها الذاتية، لكن الا يمكن ملاحظة ان هناك تشابها وتكرارا لنفس الاختصاصات مع اشتراك المجال مع اصناف الجماعات الترابية الاخرى، مما ارى انه ابتعاد عن مبدأ التفريع، انطلاقا من امكانيات كل صنف من الجماعات الترابية المادية والتقنية والبشرية، كما انه من جانب اخر يمكن ان اتسال كما في القراءة الاولى عن ماهية ودلالات استبدال مصطلح المخطط الجماعي للتنمية ببرنامج عمل الجماعة، مع تشابه المقتضيات، هل هي دعوة لإعادة النظر في طريقة التخطيط للتنمية، ام ان الامر لا يعدو ان يكون تجويد للمفاهيم، ربما النص التنظيمي المحدد لبرنامج عمل الجماعة قد يجيب على بعض التساؤل. ومن جانب اخر اشرك النص الجماعات في اختصاصات اشخاص عامة أخرى وأعطاها حق امكانية نقل اختصاصاتهم لها، بناء على مبدأي التدرج والتمايز، وأسس لآلية التعاقد لممارستها، ومن شان دلك تعزيز الشفافية والنزاهة اللبنات الاساسية لبناء الحكامة كما رأينا،  والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو مدى متانة العلاقة بين الاشخاص العامة والجماعات لبلورة الشراكة خاصة بجانب تركيز مفرط للقرار الاداري.                                                                                                                                  الحكامة من خلال المراقبة الإدارية يبدو ان المشرع مازال متمسك بالوصاية من خلال التمعن في الجانب المتعلق بمشروعية القرارات الادارية حيث وان اعتمد قاعدة المراقبة البعدية، مازالت القرارات دات الطابع المالي تخضع لتأشيرة سلطة الوصاية، وهو امر يمكن تفهم دوره من جانب محور الحكامة، لكن كان بالإمكان تفعيل القضاء الاداري في هدا الجانب أيضا هدا الاخير الذي يعتبر اشراكه في المراقبة مباشرة واختصاصا بعد تحولا نوعيا تعزيزا للبنات الحكامة.                                                  الحكامة في الجهاز الإداري اسس المشرع لإدارة جماعية على رأسها المدير العام للمصالح او المدير، وتراجع عن مفهوم الكاتب العام ولم يلغه كما يبدو، كما اشار الى هيئة سترى النور وهي هيئة موظفي الجماعات الترابية، التي ستنظم في نص تنظيمي خاص، ارى انه يجب ان ياخد بعين الاعتبار خصوصيات الوظيفة الترابية التي تميل الى الجانب التنموي والتقني، كما يجب ان تتعدد الحوافز لتستقطب الكفاءات اللازمة مع ضرورة ان يقترن احداثها بإحداث منظومة تكوينية متقدمة لإعادة ادماج الادارة الجماعية في اصلاح اللامركزية الترابية، خاصة مع النص على احداث مؤسسة وكالة الجماعة لتنفيذ المشاريع، ولربما كان التفكير في هده الوكالة انطلاقا من واقع الادارة الجماعية التي تفتقد للكفاءة اللازمة، وارى انه كان من الاجدر تكليف ادارة الجماعة بتنفيذ المشاريع طبعا بعد تأهيلها وتاطيرها بالكفاءات اللازمة، لان من شان احداث هده الوكالة تقزيم دور الادارة الجماعية وحصرها في الادوار الخدماتية التقليدية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق