الجمعة، 22 يوليو 2016

دور المجلس الجماعي في تدبير الشأن المحلي.


– مداخلتي هذه ستكون على شكل ملاحظات وتساؤلات  وعناوين ،وليست بحثا أكاديميا . سوف لن نغرق في تفاصيل النصوص القانونية المنظمة لاختصاصات الجماعة الترابية في تدبير الشأن المحلي أو في اختصاصات الرئيس  أو غيره أو حتى  في تشخيص واقع الجماعات المحلية ….
الملاحظة الأولى :
عند انتهاء ولاية مجلس ما أو حتى أثناء ممارسة مهامه دائما يوجه له النقد من طرف المواطنين او من طرف بعض وسائل الإعلام بخلفيات سياسية أو بدونها . هذا النقد ينتج على واقع معاين بالعين المجردة مثل بقاء وضعية المرافق الإجتماعية على حالها أو ازدياد تدهورها كتدهور مشكل النظافة الذي هو أكبر هاجس للسكان ،ومشاكل الإنارة ،والباعة المتجولين ، والبناء العشوائي ، والعربات المجرورة بالدواب إلخ …
– وغالبا مايكون جواب المنتخبين رؤساء وأعضاء هو أن الناس لو اقتربوا من التسيير والتدبير للجماعة لتبينت لهم حقائق تخفى على العموم ، سواء من الجانب الإيجابي أي ما تحقق فعلا من تتبع قضايا المواطنين مثل النظافة أو الماء والكهرباء أو الخدمات الإدارية الأخرى …، أو من الجانب السلبي أي من معيقات عمل الجماعة سواء منها القانونية ( من العراقيل الإدارية – أو  المالية )، أو الواقعية  ( من جشع لبعض الأعضاء أو بعض المسؤولين… إلخ …) .
الملاحظة الثانية :

– وهي أن الجماعات المحلية تحتل حيزا هاما في تقارير الهيئات الرقابية وخاصة المجلس الأعلى للحسابات . ومع ذلك فإن المحاسبة تبقى رمزية ومعنوية دون حتى المطالبة بإرجاع ما نهب من الأموال خاصة وأن المساطير غير سريعة الإنجاز وتؤدي إلى زعزعة الثقة من لدن المواطنين .
الملاحظة الثالثة :
– أن المجالس الجماعية عند انتخابها وتوليها المسؤولية تفاجأ بواقع يصعب إصلاحه غالبا ، خاصة أمام مايقع من تجاوزات من طرف بعض رؤساء الجماعات السابقة أو بعض رجال السلطة وأعوانها ، وكمثال هنا مايقع في مجال البناء العشوائي ، أو غياب السياسات التنموية بعيدة المدى نتيجة ما تعانيه من مشاكل وصراعات داخلية ، أو انعدام الكفاءة  ممايؤدي إلى وعدم وضع برامج ومخططات مضبوطة قابلة للإنجاز والتحقيق .
الملاحظة الرابعة : وهي ذات طابع قانوني :
– يتعلق الأمر بعدد من المواد من القانون التنظيمي 14 – 113 الذي حل محل الميثاق الجماعي . ففي الوقت الذي يطالب فيه القانون مثلا في المادة 78 المجلس الجماعي بوضع برنامج عمل للجماعة تحت إشراف رئيس مجلسها ، لتعمل على تتبعه وتقيمه لفترة 6 سنوات نجد بعض المواد مثل المادة 81 تضع الفرملة بالانتظار إلى حين صدور نص تنظيمي آخر يحدد مسطرة إعداد البرنامج المطلوب . ومثل هذه القوانين فإن إصدارها يأخذ من الوقت الكثير ..
الملاحظة الخامسة :
– تتعلق بالمحاسبة فإذا كان المجلس أو الرئيس يعمل على إنجاز مشاريع ، فمن الذي سيتم محاسبته في أي ملف من الملفات التي يطالها فساد ما ، سواء فيما يخص مثلا النقل العمومي أو في المشاريع الكبرى التي تخص المرافق العمومية والخدمات التي تقدم للمواطنين .
– هل يتحمل الرئيس وحده المسؤولية من البداية إلى النهاية ؟
– وهل الوصاية أو الرقابة البعدية تساير المبدأ الدستوري الذي يقر المحاسبة مقابل المسؤولية وخاصة وأن السلطة تكون في  تتبع مستمر لأشغال المجلس .
— هذه الملاحظات تقتضي التطرق لبعض العناصر الأساسية التي جعلت الإعتماد على تجربة الجماعات المحلية ضرورية وكذا الأحكام الدستورية والقانونية المؤطرة لعمل هذه الجماعات وكذا شروط اعتمادها وتحقيقها لدورها التنموي المحلي في ظل مستجدات القانون التنظيمي .
العناصر الأساسية لاعتماد الجماعات المحلية :
– طبقا للمادة 2 من القانون 14 – 113 فإن الجماعة تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة ، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام ، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستغلال الاداري والمالي ، وهذا ما أقره الميثاق الجماعي وظهير 1976 من قبل .
– إن تجربة الجماعات المحلية بالمغرب تعتبر تجسيدا لخيار اللامركزية الادارية وهي تقوم على ثلاثة عناصر أو أربعة :
العنصر الاول : هو الاعتراف بوجود مصالح محلية مستقلة ومتميزة عن المصالح الوطنية ،(        الجماعات تقضي خدمات القرب ) لم يكن التصور في البداية لدور الجماعة التنموي .
العنصر الثاني : أن يعهد بالإشراف على هذه المصالح على هيئات منتخبة ، وهي الجماعات التي
تدير شؤونها بكيفية ديمقراطية تأسيسا و ممارسة .
العنصر الثالث : أن تمارس هذه المجالس اختصاصاتها باستقلال ولكن تحت إشراف السلطة
المركزية ، أي سلطة الوصاية .
العنصر الرابع : لكن واقع الممارسة أثبت أن سلطة الوصاية كانت مهيمنة ومتمركزة ، وأضحت وسيلة  للتحكم في الهيئات المنتخبة  … ( انتقادات الفاعلين والمناظرات دفعت إلى التغيير.. ).
– المحطة التاريخية في تطور الجماعات المحلية كانت بصدور ظهير 30 شتنبر 1976 الذي خول هذه الجماعات مسؤوليات واسعة فيما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية ونقل سلطة إجراء مداولات المجلس من ممثل الدولة إلى رئيس الجماعي لتشمل كل مجالات التنمية المحلية ، وهذا هو العنصر الرابع .
– إن ظهير 1976 شهد عدة تعديلات وقوانين جديدة من أجل وضع اليد على مكامن الخلل ومواجهة الاشكالات التي أبانت عنها التجربة والتي استوجبت تجاوزها وإصلاحها إلى أن جاء دستور 2011 .
أحكام الدستور في اعتماد الجماعات المحلية :
– استطاع دستور 2011 أن ينظر إلى الشأن الترابي بشكل متقدم بمقتضيات دستورية نوجزها كما يلي :
– تم تخصيص الباب التاسع وما لايقل عن 12 فصلا ( من 135 إلى 146  في الصيغة الجديدة  لدستور  2011 ) للجماعات المحلية ممثلة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات التي أضحت هيئات لامركزية تتوفر على آليات وأدوات قانونية ومالية لتمكينها من الإضطلاع بالدور المنوط بها كمحرك أساسي  للتنمية .
– وحسب الدستور الجديد فإن رؤساء مجالس الجماعات يقومون بتنفيذ مداولات المجالس ومقرراتها
( الفصل 138 ) ، كما تساهم الجهات والجماعات الترابية  ” في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية ، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين  ( الفصل 137 )
– ولضمان مشاركة حقيقية للمواطنين في تدبير الشأن المحلي ، فإن نص الدستور اعتمد مقاربة تشاركية من خلال الفصل 139 .
كما نص الدستور على إحداث صندوق للتضامن بين الجهات وصندوق وصندوق للتأهيل الاجتماعي
لسد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات .
إلا أن الفصل 146 من هذا الدستور أوجب  لتطبيق جل هذه المبادئ والإجراءات المتقدمة بصدور قانون تنظيمي ، وهو القانون 113.14 .
أحكام القانون التنظيمي 14-113 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015- ج ر 6380 الخاص بالجماعات والمقاطعات :
جاء في المادة الاولى من هذا القانون  : جاء هذا القانون لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد وتقنين  بعض المكتسبات  في العمل الجماعي  . و طبقا للفصل 146 من الدستور يحدد هذا القانون التنظيمي .
1- يحدد شروط تدبير الجماعة لشؤونها بكيفية ديمقراطية .
2- ويحدد شروط تنفيذ رئيس الجماعة لمداولات المجلس ومقرراته .
3- ويحدد شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات .
4 – ويبين الاختصاصات الذاتية لفائدة الجماعة والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من الدولة .
– النظام المالي للجماعة ومصدر مواردها المالية .
– ويحدد شروط وكيفيات تأسيس الجماعات لمجموعات ترابية .
– ويبين قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر لشؤون الجماعة ، وكذا بمراقبة تدبير البرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة ..
بعض مهام واختصاصات مجلس الجماعة من خلال القانون التنظيمي
يفصل المجلس بمداولاته في القضايا التي تدخل في اختصاصات الجماعة ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه بموجب أحكام القانون التنظيمي .
يتداول مجلس الجماعة في القضايا المسطرة في القانون التنظيمي مثل :
– المالية والجبايات والاملاك الجماعية .
– المرافق والتجهيزات العمومية المحلية .
– التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
– التعمير والبناء وإعداد التراب .
– التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة .
– تنظيم الإدارة .
– التعاون والشراكة .
وعلى العموم هناك اختصاصات ذاتية ،وإختصاصات مشتركة  واختصاصات منقولة .
بعض مهام وإصلاحات رئيس مجلس الجماعة :
– يقوم رئيس مجلس الجماعة بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته ، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك .
– يرأس المجلس الجماعي ، ويمثل الجماعة بصفة رسمية في جميع أعمال الحياة المدنية والادارية والقضائية ، ويسير الإدارة الجماعية
– يتولى إعداد برنامج عمل الجماعة طبقا لمقتضيات المادة 78 من القانون التنظيمي .
– يتولى إعداد الميزانية .
– يتولى إبرام صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات .
من هنا يتبين أن مسؤوليات المجالس الجماعية التنموية تتخذ ثلاثة أوجه للمسؤولية :
  • مسؤولية اقتصادية :
– نستخلص من القوانين المؤطرة لعمل الجماعات الترابية أنها أصبحت مسؤولة عن وضع كل التدابير التي من شأنها المساهمة في الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة والصناعة التقليدية وإقامة مناطق للأنشطة الإقتصادية وتحسين ظروف المقاولات وبالتالي فإنها مسؤولية اقتصادية للمساهمة في التنمية المحلية .
2 – مسـؤولية إجتماعية :
بإعتبار أن المجلس الجماعي هو الأقرب لمعرفة حاجيات المواطنين وترتيب أولوياتها  ، لفإنه يعتبر مسؤولا عن :
وضع برامج لتجهيز مرافق الجماعة في عدد من المجالات ، في حدود وسائلها الخاصة والوسائل الموضوعة رهن إشارتها . وتشمل هذه البرامج : مجالات الصحة ، التربية الوطنية ، الشبيبة والرياضة …
3- مسـؤولـية ثـقـافـيـة : تتمثل مسؤولية المجلس في :
– النهوض بالشأن الثقافي على المستوى المحلي ودعم الجمعيات الثقافية من أجل الحفاظ على التراث الثقافي المحلي وإنعاشه …
– يساهم في إنجاز وصيانة المركبات الثقافية والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية ويشارك في التنشيط الإجتماعي والثقافي والرياضي بمساعدة الهيئات العمومية المختصة .
ولتحقيق هذه الغايات لابد من شروط مساعدة :
الشروط المساعدة لقيام الجماعات المحلية بدورها التنموي المحلي :
1- الشرط الأساسي الأول  : إفراز مجالس جماعية تعبر عن إرادة الساكنة على المستوى المحلي وهذا يتطلب أمران :
أولا :عدم تزوير إرادة الساكنة بأية وسيلة سواء بالتدخل المالي أو الإداري أو غيره .
ثانيا : انتخاب أطر كفئة قادرة على استيعاب مهامها والإبداع في تعاملها مع الواقع مع احترام مقاربة النوع .
2 – الشرط الثاني : أن يعطى للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية المتعددة الأوجه بالتخفيف من التدخل والمراقبة الغير المبررة .
3- الشرط الثالث : الشرط الإقتصادي ( الإمكانيات والموارد محدودة )
– توفير الموارد الكافية للاختصاصات المنقولة .
– البحث عن الموارد الجديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المختلفة . ومضاعفة الموارد وتنويعها عن أجل تمكين الجماعة من ميزانية استثمارية قادرة على الاستجابة لحاجيت السكان .
– ضبط الموارد القائمة وترشيد صرفها ، وتقليص النفقات غير المنتجة .
– التصدي ومحاربة المشاريع التي يراد بها نهب الموارد الطبيعية للجماعة والإثراء السريع على حساب الساكنة وتفويت فرص التنمية على الجماعة .
4- الشرط الرابع : وضع البرامج والمخططات الجماعية للتنمية في إطار عمل تشاركي جماعي بين المنتخبين والموظفين والمصالح الخارجية والمجتمع المدني . .
5- الشرط الخامس :  تكثيف التكوين ورفع القدرات للموارد البشرية من خلال البرامج التكوينية وإشراك الموظفين في اتخاذ القرارات وتنفيذا .
6- بالنسبة للأملاك العقارية الجماعية ينبغي القطع مع ثقافة الريع السائدة والتزام الشفافية في تفويت الأملاك وفي كرائها وفي عرضها على المنافسة ، وتخصيص هذه الأملاك للاستثمار المنتج للثروات وفرص الشغل ، مع استرجاع الأراضي التي يستفيد منها عدد من المستثمرين وتماطلوا في إنجاز
وعودهم الاستثمارية .
هذه بعض الشروط الأساسية لتحقيق الغايات التي من أجلها تم انتخاب المجلس الجماعي في إطار احترام الدستور ومستجدات القانون التنظيمي .
من مستجدات القانون التنظيمي 14- 113 :
– هناك إجراءات مهمة ستساهم  بشكل كبيرفي التخليق وفي التخفيف من هيمنة سلطة الوصاية من بينها  :
1-من الإجراءات التي تهدف إلى تخليق الحياة السياسية فرض التزكية الحزبية عند الترشيح إلى رءاسة المجلس .    ثم ما يتعلق التصويت العلني … ولو أنه كان المؤمل انتخاب الرئيس بشكل مباشر من طرف الناخبين .
2- الوصاية تغيرت إلى  مراقبة مشروعية مقررات المجالس الجماعية وما يراقب هو هل المقرر مطابق  للقانون او غير مطابق له .
3- القــضــــاء : كان عامل الإقليم  قبل هذا القانون إذا لم يرقه مقرر ما فإن يرفضه . أما الآن فإن هذا الامرأصبح منوطا للقضاء للفصل في عدة أمور منها مايتعلق بنقط جدول الأعمال أو فيما يتعلق بعزل  المستشارين ، او فيما يتعلق بحل المجلس . فهذه الأمور لايمكن الفصل فيها إلا بحكم قضائي وأحيانا استعجاليا داخل أجل 48 ساعة ومن طرف القضاء  الإداري .
4- مساءلة الرئيس (تطوير الأداء ).
تخصيص دورة للمسألة مدة كل سنة يقدم خلالها تقدير عن الأشغال خلال السنة .
5- التأشير على مقررات الجماعات أصبحت محصورة في 7 مقررات فقط . أصبحت تتم على مستوى العمالة فقط .
6- تحديد أجل 30 شهرا لإصدار المقررات التنظيمية والمراسيم التطبيقية .
7- تحديد أجل 20 يوما لإعطاء رأي وزارة الداخلية في المقررات من طرف المجلس .
الأسـتـاذ بـنـزيــنـة عــبـد الــنــبــي
                                   عرض قدم في إطار ندوة بمشرع بلقصيري يوم السبت 23 أبريل 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق