الأربعاء، 10 فبراير 2016

إكراهات التدبير الإداري والمالي للأملاك الجماعية



إكراهات التدبير الإداري والمالي للأملاك الجماعية
                                               د. عبد العالي ماكوري           
أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

مقدمة:
 تعتبر الأملاك الجماعية "من المقومات الأساسية للتنمية المحلية، إذ تمكن الجماعة من أن تتوفر على الوعاء العقاري اللازم لجعلها تواجه الأعباء المنوطة بها بالفعالية المرجوة ومن هذه الأعباء:
-         خلق تجهيزات جماعية من شأنها أن تساهم في إنجاح سياسة الإسكان؛
-         إحداث المناطق الصناعية، والسياحية والترفيهية؛
-         المساهمة بعقارات في مشاريع اقتصادية وذلك بالاشتراك مع القطاع العام أو الخاص أو باللجوء إلى القروض؛

-         استغلال العقارات قصد تنمية الموارد المالية المحلية عن طريق الكراء، إقامة الأسواق وإنشاء شركات الاقتصاد المختلط أو شركات التنمية الفلاحية.
 وتصنف الممتلكات العقارية للجماعات الترابية إلى نوعين: الأملاك الجماعية العامة والأملاك الجماعية الخاصة".
 ويقصد بالأملاك الجماعية العامة "تلك العقارات التي تمتلكها الجماعات الحضرية أو القروية ملكية قانونية  تامة والمخصصة للاستعمال مباشرة للعموم -جمهور الناس- أو لتسيير المرافق العمومية الجماعية وبهذه الصفة لا يمكن أن تكون موضوع ملكية خاصة.
 وحسب الفصل 3 من ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بأملاك البلديات وكذلك الفصل 8 من ظهير 28 يونيه 1954 المتعلق بأملاك الجماعات القروية فإن الأملاك العامة الجماعية غير قابلة للتفويت أو الحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم مما يعني أن المشرع أخرجها من دائرة التعامل المدني الذي تخضع له الأملاك الخاصة وذلك من أجل حمايتها والحفاظ على المصلحة العامة المخصصة لخدمتها.
 كما لا يجوز نزع ملكيتها تطبيقا لمقتضيات الفصل 4 من ظهير 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت".
 "وقد عمد ظهير 19 أكتوبر 1921 إلى تعداد الأملاك الجماعية العامة وهي:
 أولا: الأزقة والطرق والأرصفة والأجنة العمومية وذلك ما يعتبر تابعا لما ذكر من الأزقة والطرق. كبعض الأشغال والآثار البنائية (مثل التماثيل وما شاكلها) وأيضا عيون الماء والتجهيزات المعدة للإنارة.
 ثانيا: المياه المعدة للمدينة وكذلك القواديس والقنوات ومجاري المياه والأحواض المجتمعة فيها المياه لتوزيعها وغير ذلك من التجهيزات التي تدخل في الأملاك العمومية في المغرب" طبقا للشروط الواردة في ظهير فاتح يونيو 1914.
ثالثا: "المقابر ماعدا المقابر الإسلامية والإسرائيلية".
 أما بالنسبة للأملاك الجماعية الخاصة، فإنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 5 من ظهير 19 أكتوبر 1921 وأحكام الفصل 9 من ظهير 28 يونيه 1954، يتضح أنها بمثابة "مجموعة العقارات التي تمتلكها الجماعات الحضرية أو القروية ملكية خاصة وغير المخصصة بأملاكها العامة، وهذه الصفة بطبيعة الحال تمنح للجماعة حق التصرف في أملاكها الخاصة " "بجميع أنواع التصرفات القانونية الواردة على أملاك الخواص كالبيع والشراء والمعاوضة  والكراء من أجل تنمية مواردها الذاتية، وبما أن الجماعة المحلية من أشخاص القانون العام فإن تدبير أملاكها الخاصة تخضع لمجموعة من الإجراءات المسطرية عقب استعمالها أو استغلالها أو التصرف فيها".
   إن القوانين المنظمة للأملاك الجماعية تتسم بالقدم والتشتت حيث تعود معظمها إلى حقبة الحماية، وهي كما يلي:
-         ظهير فاتح يوليوز 1914 المعدل بظهير 29 أكتوبر 1929.
-         ظهير 31 دجنبر 1921 والقرارات الوزيرية المتممة والمغيرة له والمتعلقة بكيفية تسيير الأملاك البلدية.
-         ظهير 28 يونيو 1954 المتعلق بممتلكات الجماعات القروية.
 إن هذه القوانين "وضعت لخدمة المصالح الاستعمارية، وبالرغم من التطور الذي عرفه التشريع الفرنسي -باعتباره مصدرا من مصادر النظام القانوني المغربي- لمواكبة التحولات التي عرفتها الساحة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الفرنسي، فإن القوانين المغربية لم تعرف أي تطور يذكر، مما جعلها بعيدة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع المغربي ولا تعكس تطلعاته التنموية". هذا بالإضافة إلى القوانين المنظمة للشأن المحلي، أي قانون 17.08 المنظم للجماعات الحضرية والقروية، والقانون 79.00 المنظم للعمالات والأقاليم والقانون 47.96 المنظم للجهات. فضلا عن عدم صدور بعض النصوص القانونية مثل المرسوم الذي من المفترض أن ينظم أملاك الجماعات الإقليمية.
 "إن توحيد كافة النصوص التي تحكم أملاك الجماعات الحضرية والقروية في نص واحد وشامل أصبح من الضروريات المنطقية في الوقت الحاضر نظرا لوحدة النص القانوني العام الذي ينظم الجماعات الحضرية والقروية على السواء من جهة، وبالنظر كذلك لوحدة الأحكام القانونية التي تخضع لها كافة الأملاك العمومية بغض النظر عن الجهات التي تملكها من جهة أخرى سواء كانت الدولة أو الجماعات الترابية" بأصنافها الثلاث.
 ومن أجل تجاوز الظواهر السلبية المشار إليها، أي القدم والتشتت وعدم الصدور، تم إعداد مشروع قانون رقم 02.09 متعلق بالأملاك الجماعية حاول تجميع شتات النصوص القانونية وملاءمتها مع المستجدات التشريعية والإدارية والاقتصادية الراهنة. إلا أنه لا زال لم يحظ باهتمام المشرع من أجل دراسته والمصادقة عليه.
 وعموما سنحاول رصد بعض الإكراهات المتعلقة بتدبير الأملاك الجماعية  من الناحية الإدارية في مبحث أول، ومن الناحية المالية في مبحث ثاني.
المطلب الأول: إكراهات التدبير الإداري للأملاك الجماعية
 إن التدبير الإداري للأملاك الجماعية تعترضه مجموعة من الإكراهات مثل ضعف صيانتها وعدم دقة المعطيات المتعلقة بها، الطابع الاختياري لخلق لجنة الأملاك وكذا المصلحة الإدارية المعنية، المشاكل المتعلقة بترتيب الملك الجماعي وعدم إتمام إجراءات اقتناء أو حيازة الأملاك الجماعية وتحفيظها. وسنحاول التطرق لكل نقطة على حدة.
الفقرة الأولى: ضعف صيانة الأملاك الجماعية وعدم دقة المعطيات المتعلقة بها
 إن الميثاق الجماعي عهد إلى المجلس الجماعي ورئيسه بسلطات واسعة، ذلك أنه ليس المهم فقط  أن تكون للجماعات أملاك كثيرة، ولكن المهم أيضا هو الحفاظ عليها وصيانتها باستمرار وفقا لبرنامج سنوي يعد لهذا الغرض، لكن المشكلة هي أن الجماعات تفرط في أملاكها بعدم صيانتها، فهي كثيرا ما تفكر في الزيادة في أملاكها لكنها لا تفكر في المحافظة عليها. (...).
 لكن عمليا قلما تقوم الجماعات الترابية بمسك جداول إحصاء ممتلكاتها مما يعرضها للضياع وللتفويت بدون أي وجه حق وبالرغم من جهود سلطات الوصاية بهدف تحسيس الجماعات الترابية بضرورة الاعتناء بأملاكها وتسجيلها، فإن مسك هذه السجلات يظل الزاوية الأكثر اختلالا في دائرة العمل الجماعي".
 "ليس من الغريب ألا تكون للجماعات الترابية سوى معرفة جزئية أو غير واضحة للممتلكات العقارية المشيدة أو غير المشيدة، فالمعطيات عند وجودها لا تكون تامة المصداقية كما أن عدد قليل من الجماعات تلك التي قامت بإحصاء شامل لممتلكاتها، كما أن عددا قليلا جدا من الجماعات تلك التي بإمكانها تقديم تقييم لممتلكاتها، وبالتالي فإنه من الصعب تسيير هذه الممتلكات بكيفية مناسبة والحصول على الفوائد المالية والاقتصادية المرتقبة، لقد اعترفت العديد من الجماعات بأنها لا تتوفر سوى على معلومات جزئية أو غير دقيقة من محتويات ممتلكاتها سواء المبنية أو غير المشيدة  وبذلك ندرك الصعوبات التي يصادفها عدد كبير منها لمسك سجلات سليمة".
الفقرة الثانية: الطابع الاختياري لخلق الهياكل المنتخبة والإدارية الجماعية المعنية بالأملاك
 "هناك لجنة اختيارية لها دور هام في ميدان تدبير الأملاك الجماعية ونقصد بها لجنة الممتلكات، لكن نلاحظ أن المجالس الجماعية نادرا ما تخلق مثل هذه اللجنة مع أن القانون يسمح لها بخلق أية لجنة ضرورية، وفي أي وقت تريد ذلك ورغم ما لوجود تلك اللجنة من أهمية بالنسبة للتدبير السليم للممتلكات، حيث يمكنها أن تدرس المشاكل المتعلقة بتدبيرها وطرق تنميتها وتتبع تطورها، لكن خلقها يظل اختياريا وليس إجباريا".
 ما قيل عن لجنة الممتلكات ينطبق على مصلحة الممتلكات حيث "يظل إنشاؤها اختياريا وكثير من الإدارات الجماعية والإدارات الإقليمية تفتقر إلى وجود مصلحة خاصة بتدبير الممتلكات ولهذا أثره السيء على وضعية الأملاك بل إن الأملاك لن تحظى بالاهتمام المطلوب في غياب وجود مثل هذا الجهاز".
  لقد لاحظ المجلس الجهوي للحسابات بالرباط "من خلال الرقابة المجراة على الجماعة الحضرية للرباط في إطار مراقبة التسيير، أن هناك قصورا في تدبير الممتلكات الجماعية، خاصة منها الممتلكات العقارية، وسجل أنه "لم تنجز الجماعة أي إحصاء مادي لممتلكاتها الخاصة والعامة، فعلى سبيل المثال: لم يتم تسجيل مقر الجماعة الحضرية بالرباط  ومقر مقاطعة حسان في هذا السجل". (تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2006).
 ويضيف المجلس الجهوي للحسابات كذلك أن هناك نقصا وعدم الدقة فيما يتعلق بالمعطيات المرتبطة بأملاك الجماعة بسبب الخلط بين الملك العام والملك الخاص، بحيث أن أحد عشر (11) ملكا مصنفا في إطار الملك العام بالمحافظة العقارية تم تسجيلها كأملاك خاصة بسجلات الجماعة، وأن تسعة وستين (69) ملكا مسجلا بكناش الممتلكات تحمل أرقاما للتسجيل لا تظهر في اللوائح الممسوكة لدى المحافظة العقارية، ومنها ما تم تفويته دون تسجيل عمليات التفويت بسجل الممتلكات، وكذلك منها ما لا تتطابق مساحتها بين تلك المضمنة في سجلات الجماعة من جهة، وتلك المبينة في ملفاتها لدى المحافظة العقارية من جهة أخرى، وعدم بيان المساحة بالنسبة لكثير منها، وعدم مباشرة إجراءات التحفيظ في حالات أخرى".
الفقرة الثالثة: المشاكل المتعلقة بترتيب الملك الجماعي.
 فيما يتعلق بترسيم الحدود للملك العام الجماعي "سجل المجلس عدم حضور ممثل الجماعة بشكل دائم عند إنجاز عمليات الترسيم المذكورة مع الملاك المجاورين للأملاك الجماعية، وهو ما يعكس غياب إرادة حقيقية لدى الجماعة في تسوية الوضعية القانونية لأملاكها العامة وحماية مصالحها المالية والمصلحة العمومية عامة.
 وكذلك الشأن بالنسبة لملاحظات المجلس الجهوي لأكادير فيما يخص مراقبة التسيير المجراة على الجماعة الحضرية لإنزكان، إذ "لاحظ المجلس الجهوي للحسابات عدم توفر الجماعة على كناش مشمولات الأملاك الجماعية، وذلك لغياب إحصاء دقيق للأملاك الجماعية، وعدم تسوية الوضعية القانونية  لبعض العقارات ووجود خلط بين الملك العمومي والملك الخاص للجماعة، خلافا لما ينص عليه الفصل الأول من القرار الوزيري المؤرخ في 31 دجنبر 1921، في كيفية تدبير الأملاك الخاصة بالبلديات".
 إن المظاهر المذكورة أعلاه، من الخلط بين الملك العام والملك الخاص الجماعيين، والنقص في إحصاء الأملاك الجماعية العامة، تكشف عن مشكل ترتيب الملك الجماعي  العائد اختصاصه إلى المجلس الجماعي بشكل صريح". طبقا للقوانين المنظمة للأملاك الجماعية والشأن المحلي.
الفقرة الرابعة: عدم إتمام إجراءات اقتناء أو حيازة الأملاك الجماعية وتحفيظها
إن عملية تفويت واقتناء الأملاك العقارية تقتضي كثيرا من الإجراءات الإدارية قد "يستعصي على الجماعات في ظل الخصوصيات الحالية لمواردها البشرية سلكها، إذ غالبا ما تواجه تعقيدات بهذا الصدد، ومثلا فقد سجل المجلس الجهوي للحسابات بالرباط في إطار مراقبته للجماعة الحضرية لسيدي قاسم سنة 2006، أنها وإن تتوفر "على أملاك خاصة مهمة لم تتم حيازتها نهائيا بسبب عدم تصفيتها قانونيا، فهذه العقارات مازالت في ملكية مديرية الأملاك المخزنية نظرا لعدم إتمام إجراءات اقتناء الجماعة لها، ومن خلال تفحص سجلات الأملاك العقارية، يتبين أن كل العقارات الجماعية هي في طور الاقتناء، ومع ذلك فإن الجماعة لم تبذل منذ سنة 1994 أي جهد لإتمام عملية اقتنائها...".
 أما بالنسبة لتحفيظ الممتلكات العقارية للجماعات الترابية فإنه رغم أهمية التحفيظ البالغة "في تثبيت حق الملكية وتطهير الممتلكات العقارية من كافة التعرضات والنزاعات، نجد بأن جل العقارات الجماعية تظل خاضعة للقوانين المنظمة للعقار غير المحفظ وذلك لعدة أسباب أهمها:
-         عدم توفر الجماعات الترابية على السندات والوثائق القانونية المثبتة لملكيتها لبعض العقارات التي تتصرف فيها عن طريق الحيازة؛
-         صعوبة تحيين الرسوم العقارية للممتلكات التي لا تزال محفظة باسم الجماعات الأم  والتي آلت ملكيتها للجماعات الحضرية والقروية المحدثة على إثر التقسيمات الإدارية التي عرفها المغرب سنة 1992؛
-         ضعف الموارد المالية لبعض الجماعات المحلية لتغطية مجموع الرسوم التي تتطلبها عمليات تقييد وتحفيظ ممتلكاتها العقارية، فبالنظر لعدم مجانية مسطرة تحفيظ أراضي الجماعات المحلية فغالبا ما تتقاعس الإدارة الجماعية عن تقديم العقود من أجل تحفيظ أملاكها وأحيانا ورغم اقتنائها لعقارات محفظة فإنها لا تسعى إلى طلب إجراء تقييدها كمالك جديد، الأمر الذي يجر عليها عدة مشاكل".
المطلب الثاني: إكراهات التدبير المالي للأملاك الجماعية
   إن الأملاك الجماعية "تعد مصدرا هاما لتمويل الميزانيات الجماعية أو من المفروض أن تكون كذلك إلا في حالة سوء تدبيرها والتفريط فيها وعشوائية استغلالها. فالواقع يبين أن مدخول هذه الأملاك لازال ضعيفا بالمقارنة مع الحجم الإجمالي للموارد المالية الذاتية للجماعات الترابية، مما يجعلها تقوم ليس على مداخيل أملاكها لتمويل نفقاتها بل على الموارد الناتجة عن إعانات الدولة والتي تكون دائما إمدادات مشروطة ومقيدة لاستقلالها وحريتها في التصرف".
  وعليه، فقد "أولت السلطات العمومية عناية خاصة لتدبير الأملاك الجماعية سواء العامة منها أو الخاصة. ولذلك وضعت رهن إشارة الجماعات الحضرية والقروية، مجموعة من الأملاك العقارية لاستغلالها والاستفادة من مواردها المالية في إطار تطبيق الضرائب والرسوم المنصوص عليها في القانون رقم 39.07 بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات والأتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية.
 ونظرا لأهمية المداخيل الناتجة عن الأملاك العامة الجماعية فإنه يتعين على الجماعة المحلية استغلال منتوجها استغلالا محكما وجعله قارا متزايدا لتدعيم مواردها الذاتية لأجل بلوغ استقلالها المالي وتحقيق تنمية محلية مستدامة".
 كما أن "الأملاك الجماعية الخاصة تساهم في تنمية الجماعة إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي وبالتالي الاستجابة إلى الانتظارات واحتياجات السكان. وعليه يتضح أن التنمية المستدامة للجماعة رهينة بمدى توفر هذه الأخيرة على أرصدة عقارية تستثمر في مشاريع منتجة للقيمة المضافة تنعكس إيجابيا على ميزانية الجماعة".
 إلا أن التدبير المالي سواء للأملاك العامة أو الخاصة يعرف العديد من الإكراهات يحد من الدور الأساسي المنتظر منها لتنمية مداخيل الجماعات الحضرية والقروية ومنها أساسا قلة الممتلكات الجماعية من الناحية الكمية، انخفاض عائدات الرسوم المفروضة على الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي، سوء استغلال الأملاك الجماعية الخاصة ولاسيما في الكراء والتأخر والإهمال في تحصيل مداخيل الأملاك الجماعية.
الفقرة الأولى: قلة الممتلكات الجماعية من الناحية الكمية
 "القاعدة العامة أنه كلما كانت الجماعة تتوفر على رصيد عقاري مهم كلما كانت موارد أملاكها مرتفعة والعكس صحيح. والظاهر في هذا المجال أن الممتلكات الجماعية في المغرب تعرف نقصا ملحوظا ليس فقط على مستوى الأملاك الخصوصية بل أيضا وبالدرجة الأولى على مستوى الأملاك العمومية، وعلى مستوى التجهيزات والمرافق الجماعية على وجه الخصوص.
  وهكذا فباستثناء بعض البلديات القليلة والتي تتوفر إما بفضل موقعها المتميز أو بفضل مكانتها الاقتصادية والتاريخية أو توفرها على كثير من التجهيزات  والمرافق التي تدر على ميزانيتها مداخيل مرتفعة، فإن باقي الجماعات الأخرى ولاسيما القروية  لا تتوفر إلا على بعض الممتلكات التقليدية، مثل: الأسواق وملحقاتها، وهي ممتلكات كما هو معلوم تتوقف أهميتها وقدراتها الإنتاجية على المركز الاقتصادي  والتجاري الذي تحتله كل جماعة على حدة، ومن ثم فموارد الأملاك الجماعية لا ينتظر أن تتحسن مردوديتها طالما بقيت طالما بقيت مفتقدة لمادتها الأساسية. هذه المادة التي لا يمكن توفرها إلا عن طريق امتلاك الجماعات الترابية لرصيد عقاري مهم يعود عليها بمداخيل مهمة، وذلك لا يتسنى لها أن تصل إليه إلا بنهجها لسياستين اثنتين:
-         الدخول في السوق لاقتناء العقارات المبنية وغير المبنية وهي بذلك تعزز رصيدها العقاري ثم تحارب المضاربة العقارية التي تزيد في أثمنة وأسعار العقارات.
-         إتباع سياسة تنموية تستهدف بالأساس إقامة التجهيزات والمرافق المختلفة، حتى يتوخى لها أن تستفيد من مداخيل أكثر من كراء تلك العقارات دون تجهيز وبأسعار زهيدة".
الفقرة الثانية: انخفاض عائدات الرسوم المفروضة على الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي
 إن الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي يمكن أن يدر على المالية الميزانية الجماعية عائدات مالية مهمة إن هي أحسنت تدبيره واستغلاله بطريقة جيدة. "لكن، واقع الممارسة الجماعية بالمغرب، لم يرق بعد إلى مستوى يمكن أن تشكل فيه الموارد المالية لتدبير الأملاك الجماعية موردا أساسيا أو مهما في تمويل الميزانيات  المحلية، إذ أن نسبة مساهمة هذه الموارد سواء ضمن الموارد الذاتية، أو في إطار مجموع تمويلات الميزانيات المحلية، تظل منخفضة مقارنة مع الإمكانيات التي تتيحها، وذلك بالنسبة لأغلبية الجماعات الترابية".
"إن واقع تدبير الأملاك العامة الجماعية، بكل ما يحمله من مظاهر الإخلال بالمصالح الاقتصادية للجماعات، كعدم معرفة بعض الأملاك وعدم تحديدها وإحصائها من طرف الجماعات، ونقص في إتباع المساطر القانونية لحمايتها واستثمارها... إلخ، كل هذا يكشف عن انعدام الوعي لدى كثير من الجماعات المحلية بالأهمية والقيمة الاقتصادية لهذه الأملاك، وما تتيحه من فرص وإمكانيات تمويلية ذاتية يمكن أن يكون لها وقع مهم في رفع القدرة التمويلية الذاتية للنشاط التنموي لها.
 فقد جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم أنشطته لسنة 2006، من خلال مراقبة التتسيير التي قام بها المجلس الجهوي للحسابات بالرباط للجماعة الحضرية للقنيطرة  أن "هناك تقصيرا في إحصاء الوعاء الضريبي المتعلق برسوم الشغل المؤقت للملك العام لإقامة واستغلال أعمدة للإشهار.
 وقد حدد الوجيبة السنوية في 15 % من مجموع رقم المعاملات الذي تحققه الشركة مع حد أدنى يتعين دفعه للجماعة تم حصره في 1200 درهم عن كل لوحة، هذا الترخيص ينص كذلك على أن الشركة تتحمل تكاليف تزويد هذه الأعمدة بالكهرباء (الربط والاستهلاك).غير أن الشركة المتعاقد معها عمدت إلى ربط لوحاتها الإشهارية بشبكة الإنارة العمومية لتفادي مصاريف استهلاك الكهرباء... كما قامت الشركة بوضع لوحتين إضافيتين بدون الحصول على ترخيص مسبق ودون إضافة الشركة لمداخيل هاتين اللوحتين في رقم المعاملات المصرح به سنويا.
 وبالرغم من هذه الملاحظات المسجلة، لم تعمد الجماعة الحضرية بالقنيطرة إلى فرض الغرامة المنصوص عليها في المادة 12 من ظهير 30 نونبر 1918 بشغل الملك العمومي البلدي". وبهذا تكون الجماعة الحضرية للقنيطرة قد فوتت على ماليتها مداخيل ذاتية تقدر ب 72000 درهم كحد أدنى سنويا".
 وعموما فإنه "لا يمكن للأملاك الجماعية أن تحقق موارد مهمة دون أن تحدد قيمتها بناء على معايير عملية دقيقة يكون الهدف الأول والأخير منها هو الموازنة بين حقوق الجماعة المالكة من جهة وحقوق المتعاملين معها من الخواص من جهة ثانية".
 إن واقع الجماعات الترابية بالمغرب في مجال تحديد قيمة الموارد الذاتية لأملاكها يتصف بالارتجال واللامسؤولية، ويتضح هذا من خلال زاويتين: "نقصد هنا الأساس الذي تحدد الجماعات بناء عليه قيمة الانتفاع بعقارات أملاكها العامة، وتتعلق بمدة مراجعة قيمة الانتفاع بتلك العقارات.

 فبالنسبة للزاوية الأولى، فإن الأساس المعتمد عليه من طرف كافة الجماعات المحلية هو المساحة - أي مساحة العقار المراد إشغاله -. غير أن الأساس الذي لازال يعتمد عليه في المغرب حتى اليوم قد تم تجاوزه في فرنسا منذ زمن بعيد، على اعتبار أنه يضيع على الجماعات مداخيل كثيرة ولكونه يؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة والتعامل مع المنتفعين من جهة ثانية. لذلك لا يجب الاعتماد فقط على المساحة بل ينبغي أيضا أن يؤخذ بعين الاعتبار موقع العقار المنتفع به وطبيعة الأرباح المحققة من قبل المنتفعين.
 أما بالنسبة إلى مراجعة قيمة الانتفاع بالملك العام، فإن المدة التي حددها القانون لإجراء تلك المراجعة تعتبر طويلة بالقياس إلى ما هو عليه في بعض البلدان. ومما يبدو أن هذه المدة لم تعد صالحة اليوم خصوصا في وقت يعرف تقلبات اقتصادية كبيرة وارتفاعات متتالية في الأسعار، فإن كان من المفروض على الجماعات أن تصون أملاكها وبالأسعار الحالية، فمن البديهي تطبيقا لمبدأ الموازنة بين المداخيل والنفقات أن تقوم في وقت معقول بمراجعة مداخيلها عموما".
الفقرة الثالثة: سوء استغلال الأملاك الجماعية الخاصة: نموذج الكراء
 يتم إبرام عقود كراء الأملاك الجماعية الخاصة وفق أسلوبين، الأسلوب الأول يتعلق بإجراء طلب العروض، والأسلوب الثاني يتم عن طريق التوافق والتراضي ولا يتم اللجوء إليه إلا بصفة استثنائية.
 إن "الكراء عن طريق طلب العروض ينبني أساسا على مبدأ المنافسة، الذي يعد شرطا لحماية المصلحة العمومية للجماعة من كل محاباة أو تفريط في حقوقها، وتأمين أفضل المداخيل، بحكم ما يتميز به هذا الأسلوب من إشهار وعمومية ومساواة بين مجموع المرشحين  الراغبين في كراء الأملاك الجماعية الخاصة. إذ أن المنافسة في كراء الأملاك الخاصة الجماعية ستدر على مالية الجماعات المعنية أكبر قدر ممكن من المداخيل، ومعلوم أن مداخيل الأملاك الجماعية العامة منها والخاصة تندرج ضمن الموارد الذاتية للمالية العمومية المحلية، إلى جانب الموارد الجبائية المحلية، غير أن واقع مساهمتها في تمويل الميزانيات المحلية يبقى ضعيفا ودون المستوى المطلوب للرفع من قيمة التمويل الذاتي لميزانيات الجماعات المحلية، ويرجع الأمر في إحدى جوانبه الرئيسية إلى سيادة نوع من الممارسات التي تنقص من القيمة الاقتصادية لهذه الأملاك، وعدم حماية المصلحة العمومية للجماعة.
 فالمجلس الجهوي للحسابات بالرباط، وعقب مراقبته للجماعة الحضرية للمدينة العاصمة الإدارية للمملكة، سجل مجموعة من الملاحظات السلبية عن واقع التدبير بهذه الجماعة، ومنها ما يهم كراء الأملاك الجماعية الخاصة والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
-         عدم احترام مبدأ المنافسة عند اللجوء إلى عمليات كراء المحلات، سواء المعدة للسكن أو للأنشطة التجارية.
-         ضعف القيمة الكرائية التي تتراوح بين 20 و500 درهم بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى، ومنها شقق بعمارة بشارع الحسن الثاني الواقع بمركز المدينة.
-         عدم مراجعة القيمة الكرائية المضمنة في عقود الكراء حتى في حالة ورود هذه المراجعة ضمن البنود التعاقدية، وأن بعض العمليات تعود إلى سنة 1945.
 وفي موضوع الضمانات القانونية والتعاقدية، فقد لاحظ المجلس الجهوي للحسابات بفاس بدوره، عند مراقبته للجماعة الحضرية لصفرو، أنه "على الرغم من وجود عدد كبير من مستغلي الأملاك الجماعية الخاصة لأغراض تجارية المتقاعسين عن أداء الواجبات الكرائية في الوقت المحدد، فإن الجماعة لم تلجأ إلى تفعيل الفصل الوارد في عقود الكراء والذي يخول لها فسخ عقود الكراء في هذه الحالة".
 أما المجلس الجهوي للحسابات بطنجة، فقد سجل عند مراقبته للجماعة الحضرية لأصيلة، في شأن تعديل السومة الكرائية وحماية المصالح الاقتصادية الجماعية، على أنه "بالرغم من أن المجلس الجماعي قد رفع السومة الكرائية للمباني السكنية بواسطة القرار الجبائي الصادر بتاريخ 6 ماي 2002، إلا أن هذه السومة تضل ضعيفة جدا بالنظر إلى القيمة الاقتصادية لهذه المباني، حيث لا تتعدى في بعض الحالات 100 درهم سنويا، ونظرا لعدم تجديد العقود مع المكترين تبقى السومة الجديدة غير مطبقة".
الفقرة الرابعة: التأخر والإهمال في تحصيل مداخيل الأملاك الجماعية
 "تعرف الجماعات إهمالا فيما يخص تحصيل مداخيل أملاكها الجماعية، وإذا كان من الطبيعي أن تختلف الجهود المبذولة في هذا الصدد من جماعة إلى أخرى، وتبعا لإمكانياتها وقدراتها، فإن هذا الاختلال مع ذلك يتواجد وبنسب مختلفة في معظم الجماعات وقد يصل في بعضها إلى درجة من الإفراط لا تحسد عليها.
 كما أن الباقي استخلاصه من موارد أملاك الجماعات لا يشكل حقيقة واقعية فحسب بل إنه في تدهور مستمر سنة بعد أخرى، وهذا أمر خطير في حياة الجماعات الترابية يتعين رصد مسبباته واستئصالها من جذورها خدمة للصالح العام".
  إن هذه الإكراهات المتعلقة بالتدبير الإداري والمالي للأملاك الجماعية تفسر ضعف المداخيل المرتبطة بها وبالتالي عدم مساهمتها في الرفع من موارد الميزانية الجماعية مما يحد من درجة استقلالها المالي ودورها التنموي.
 وختاما، فإنه لتجاوز هذا الوضع، لابد من تجاوز الإكراهات المشار إليها من خلال تغيير طريقة تعامل الجماعات مع أملاكها وسن سياسة قوامها ما يلي:
-         ضبط قائمة ممتلكاتها وتحيين السجل الخاص بها وصيانتها؛
-         خلق لجنة الأملاك الجماعية والمصلحة الإدارية المعنية؛
-         احترام المساطر الإدارية المعمول بها في مجال استغلال الأملاك الجماعية؛
-          تسوية الوضعية القانونية للأملاك الجماعية؛
-         السهر على تشكيل احتياطي عقاري يناسب الدور التنموي للجماعة؛
-         عدم تبخيس قيمة الأملاك الجماعية سواء في عمليات التفويت أو المعاوضة أو الكراء أو الاحتلال المؤقت؛
-         بذل الجهد لتحصيل مداخيل الأملاك الجماعية في الوقت المناسب.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق