الاثنين، 19 أكتوبر 2015

قراءات في مشروع القانون التنظيمي للجماعات رقم 14- 113

تم نشر هذا الموضوع في 5 فبراير 2015 على ساعة 13:14 بواسطة تيفاوتبـريس
ابراهيم حميجو
القراءة الاولى.
تفعيلا لمقتضيات الدستور المغربي 2011، خاصة فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية التي تعتبر الية دستورية لممارسة الحكومة للوظيفة التشريعية، لاسيما تلك التي تضمنها المخطط التشريعي للحكومة، عملت هده الاخيرة على اعداد مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة باللامركزية الترابية، ويتعلق الامر بمشروع القانون التنظيمي رقم 14.111 المتعلق بالجهات، مشروع القانون التنظيمي رقم 14.112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، ومشروع القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات.
وتأتي رغبة المشرع الحكومي في اعادة تنظيم اللامركزية عبر مراجعة القوانين المنظمة لها تماشيا مع التطور الحاصل في الادوار الجديدة التي يجب ان تلعبها هده الوحدات الترابية في المساهمة في تحقيق التنمية بكل أبعادها وكدا تجاوز الثغرات والنواقص التي افرزتها الممارسة في ظل القوانين الحالية.
الاطار التحليلي لمشروع القانون التنظيمي رقم 14- 113 المتعلق بالجماعات
من الناحية الشكلية:


- يتكون المشروع من 300 مادة موزعة على 8 اقسام اضافة الى القسم التمهيدي، ولأول مرة يتم تنظيم الجماعات بقانون تنظيمي الذي يعتبر من الناحية التراتبية اسمى من القانون العادي ويأتي مباشرة بعد الدستور، عكس القوانين السابقة والحالي، وان كان هدا الامر إيجابيا فانه يطرح اشكالية امكانية حصر دور الجماعات الترابية عبر الية القوانين التنظيمية، كما ان اعداد مسودة المشروع تم بنهج المقاربة التشاركية، عن طريق عرضها على مختلف المتدخلين كما انها عرفت نقاشا من طرف الباحثين والأكاديميين، ومن شان دلك اكسابها نوعا من التسويق، خاصة في ظل الحاجة الى اعادة الاعتبار للشأن المحلي وترويجه لدى مختلف فئات المجتمع كي لا يظل حكرا على النخب السياسية وحدها.
من ناحية الموضوع:
لعل القارئ لمشروع القانون التنظيمي للجماعات لن يجد لأول وهلة اية فروق جوهرية مع الميثاق الجماعي الحالي، اد ان اغلب المواد تكاد تكون متكررة على اكثر من مقتضى، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التقنية لتشكيل المجالس الجماعية، وفي مجال الاختصاصات التي تظهر دائما فضفاضة وعامة، بل و متكررة مع المستويات الاخرى من الجماعات الترابية، وهدا ما افضى بالعديد من الباحثين الى استنتاج ان المشرع مازال يعتبر الجماعات وحدات ثانوية وان النخب المحلية لم تصل بعد الى مستوى الثقة اللازمة كي تمنح التدبير الحر بمعناه الصحيح وليس المتداول.
مبدأ التدبير الحر:
صحيح ان الدستور ربما المتطور على اداء المؤسسات الرسمية والسياسية، قد عبر بصراحة على خيار التدبير الحر للجماعات، وصحيح ايضا ان النص موضوع القراءة قد كرر هدا المبدأ بنصه على سلطة المجلس الجماعي في التداول بكيفية ديموقراطية، وسلطة تنفيذ المداولات والمقررات التي يتخذها المجلس، الا انه عاد لتكريس نوعا من الوصاية فيما يشبه تراجعا او لفا على مبدأ الندبير الحر، فالمقررات التي تهم الجانب المالي مازالت غير قابلة للتنفيذ إلا بعد تأشير سلطة الوصاية عليها، ولعل دلك راجع الى عدة عوامل موضوعية أحيانا، كمحدودية النخب المحلية التي تفرزها الصناديق على مستوى الكفاءات، بل ايضا على مستوى الحكامة، اد ان التجربة ربما افرزت عدة تجازوات على مستوى التدبير والحكامة، وهدا المعطى يستشف من حجم المخالفات الواردة في تقارير لجان المراقبة وعلى رأسها المحاكم المالية المختصة، ولعل تلك التقارير تشكل دراسة لواقع التدبير الجماعي ومستوى تطور اللامركزية ببلادنا في جانب الممارسة وتخريج النخب.كما ان هناك عوامل ذاتية اخرى تكرس الوصاية، فالدولة وان كانت راكمت تجربة لا يستهان بها في مجال اللامركزية إلا ان القرار المركزي لازال سيد الموقف، وخير دليل على دلك هو اغفال تحريك اللاتركيز الاداري موازة مع محاولات بسط وتمديد اللامركزية افقيا وعموديا، فالالتقائية لتنفيذ البرامج التنموية تستلزم اعتماد اللاتركيز الاداري أيضا خاصة ان المشروع المقروء في هدا التحليل جاء بمقتضى غاية في الاهمية فيما يخص الاختصاصات المشتركة والمنقولة، اد نص على مبدأ التعاقد كآلية لتنفيذها، هدا التعاقد في اطار المقاربة التشاركية لن يسهل اللجوء اليه في ظل تخلف اللاتركيز الاداري عن اللامركزية.
مبادئ التعاقد، التعاون والتضامن، والتفريع لممارسة الاختصاصات :
حسب مشروع القانون التنظيمي فالمجلس الجماعي يملك اختصاصات ذاتية لا تختلف كثيرا عن المنصوص عليها في النص الحالي، إلا ان المستجد هو فيما يتعلق بالاختصاصات المشتركة مع الدولة وباقي اشخاص القانون العام، وربما هو تطور طفيف للاختصاصات الاستشارية الممنوحة للمجلس الجماعي في الميثاق الحالي، كما تكرر ضرورة نقل الموارد لنقل بعض اختصاصات الدولة والتي جاءت في المشروع حصرا هده المرة تهم المجال الثقافي والبيئي و المائي. غير ان المستجد كما اسلفت في الفقرة السابقة هو التنصيص على مبدأ التعاقد لممارسة هده الاختصاصات، الذي معناه خلق مقتضيات جديدة عبر اتفاقيات للشراكة تعبر عن ارادات اطرافها لإخراج المشاريع التنموية المحلية للوجود. هدا المبدأ يلزم المشرع الحكومي وأيضا التشريعي بمواكبة المشرع الدستوري، ورفع اليد عن القرار ليتخذ محليا، وبمعنى اخر اعداد ميثاق للاتركيز الاداري بنفس درجة اللامركزية.كما ان التعاقد لتحقيق البرامج التنموية يعتبر الوسيلة الانجع في ظل محدودية امكانيات الجماعة المادية والبشرية، ولهذا فالتعاقد لابد ان ينصب اساسا على تعبئة الموارد المالية اللازمة، لكن ايضا الموارد البشرية باعتبار الجماعة الحلقة الاضعف ايضا في هدا المجال، فالادارة الجماعية تظل الاقل تاطيرا ولقد غيب المشروع الادارة الجماعية كعادته رغم انها القناة لتنفيذ برامج التنمية والاشارات الطفيفة تحيل الى نص تنظيمي قد يرى النور لكن لن يضيف شيئا الا ادا رد الاعتبار للوظيفة الجماعية. ويتطابق مبدأ التعاقد مع مبدأي التضامن والتعاون اللازمان لتدبير الشان المحلي، وايضا مع مبدأ التفريع لممارسة الاختصاصات الذي يعني ما تستطيع الجماعة انجازه يسند لها، وما لا تستطيعه يسند للمستوى الاعلى من الوحدات الترابية وصولا الى الدولة.
مبدأ الانفتاح او اشراك الجميع في القرار المحلي:
طبعا تشكيل المجلس الجماعي عن طريق الاقتراع المباشر هو اشراك مباشر للساكنة لتدبير شؤونها المحلية عن طريق ممثليها، الا ان المشروع اتاح الية اخرى تعتبر على الاقل نظريا تطورا هاما، وهي الية تقديم العرائض من طرف سكان الجماعة وجمعيات المجتمع المدني، اد اصبح بالإمكان مطالبة المجلس بإدراج مسالة ما للتداول في المجلس الجماعي، هده الاخيرة وان قيدها المشرع بشروط فهي تعزيز للديقراطية، التي يعززها ابضا النص على التصويت العلني لانتخاب الرئيس واجهزة المجلس وكدا لاتخاذ مختلف المقررات. كما يتعزز مبدأ الانفتاح بالنص على احداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبدا المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع. كما يتعزز مبدأ الانفتاح بالنص على احداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.
برنامج عمل الجماعة:
اعتبر المخطط الجماعي في النص الحالي قفزة نوعية للتخطيط المحلي، الذي يسبق كل عملية تنموية، اد مكن الجماعات من التشخيص والتعرف على امكانيانها، وتحديد أولوياتها وفي نص المشروع لم يرد ذكر للمخطط الجماعي، بل برنامج عمل الجماعة، فالمخطط والبرنامج قد يلتقيان وقد يختلفان، واعتقد ان البرنامج اوسع من المخطط، فبرنامج عمل الجماعة - الذي نص على ان المجلس الجماعي يعد برنامج عمل الجماعة وفقا لمقتضيات تنظيمية لاحقة- قد يشمل كل تدخلاتها بما فيها اعداد مخططاتها التنموية، كما اعتقد ان المشرع لم يلغ مسالة التخطيط للتنمية بعدم ذكر المخطط الجماعي باعتبارها مسالة بديهية في تدبير التنمية، ولربما امن بنضج المدبر المحلي على هدا المستوى، فالمخططات كانت تتوفر عليها بعض الجماعات الجادة حتى قبل النص عليها، فهي ليست مقتضى قانوني بقدر ما هي مقتضى تدبيري.
اشراك القضاء الاداري في الرقابة:
طبعا لم يتخل المشرع الحكومي عن مبدأ الوصاية ورقابة الملاءمة والشرعية المرافق للامركزية مند نشأتها، اد كرسها في المشروع وان قلت حدتها، اد باستثناء المسائل المالية، ركز على المراقبة البعدية، إلا ان الشئ الايجابي هده المرة هو اشراك المحاكم الادارية في الامر باعتبارها المختصة في الحل والعزل والتوقيف، ولربما سلوك هدا الاتجاه هو الرغبة في تجاوز الشطط في استعمال السلطة في هدا المجال الذي غالبا ما تحكمه عوامل ذاتية وسياسية اكثر منها حكاماتية، كما ان تطور القضاء الاداري وتوفره على رصيد من الاجتهاد القضائي -الذي يعتير من اهم مصادر للقانون الإداري في هدا الشأن ساهم بدوره في هدا الاتجاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق