الجمعة، 11 ديسمبر 2015

التدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية عبر المرافق العمومية

التدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية عبر المرافق العمومية
منهجية العرض
مقدمة
المبحث الاول : المقومات والاليات التدبيرية للتدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية عبر المرافق العمومية المحلية
المطلب الاول : التدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية - المرتكزات والاليات
الفرع الاول : التصور الجديد لدور المجالس الجماعية
الفرع الثاني : اليات تدخل الجماعة عبر المرافق العمومية المحلية
المطلب الثاني : اشراك القطاع الخاص في التدبير – المقاولات وشركات الاقتصاد المختلط
الفرع الاول : تفويض التدبير للقطاع الخاص – التدبير المفوض –
الفرع الثاني : التعاون ما بين الجماعات

المبحث الثاني :استراتيجية الجماعات الترابية في انعاش الاقتصاد المحلي عبر المرافق العمومية المحلية
المطلب الاول : دور الجماعة الترابية في تنشيط الاقتصاد المحلي
الفرع الاول : اعداد وتهيئ المناطق الصناعية
الفرع الثاني : التسويق الترابي
المطلب الثاني : دور الجماعة الترابية في دعم الاستثمار المحلي
الفرع الاول : الاستثمار العقاري
الفرع الثاني : الجودة في خدمات الجماعة الترابية

خاتمة
مقدمـة:
تعد اللامركزية نهجا ديمقراطيا يتيح لكيانات محلية تدبير شؤونها الخاصة بواسطة مجالس منتخبة، وتشكل ضرورة سياسية لبناء أو استكمال بناء الديمقراطية التمثيلية. وقد إزداد الاهتمام بمفهوم اللامركزية منذ أواخر القرن العشرين، نتيجة للإفرازات التي نتجت عن المتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجيا التي شهدها العالم، ولم تعد اللامركزية هدفا في حد ذاته، وإنما أصبحت فلسفة وأداة تنموية تمكن الساكنة من المشاركة في صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بتنمية مجتمعاتهم بما يعود عليهم بالفائدة.
وفي خضم التحولات الكبرى التي تشهدها بنيات الدولة وتجدد أدوارها، تعالت الدعوة إلى تطوير النظام اللامركزي الذي يستند على الشرعية الإدارية والقانونية، وذلك بتبني منظور جديد ومقاربة مغايرة تتوخى البعد التدبيري، وذلك من خلال ترسيخ مفهوم "إدارة القرب"، ومنهجية "المقاربة التشاركية".
ولم تخرج الجماعات الترابية بالمغرب عن هذا المنحى، فبعدما سجلت تطورا من الناحية البنيوية، الذي كان يختلف من فترة إلى أخرى تبعا لتوجهات الدولة على مستوى التقسيم الإداري والترابي، الذي كانت تتحكم فيه مجموعة من الاعتبارات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية. وبالموازاة مع ذلك شهدت وظيفة الجماعات الترابية بالمغرب تطورا تدريجيا[1] منذ 1960 إلى يومنا هذا، بفعل التحولات الكبرى والمتسارعة التي شهدتها ولا زالت الساحة الوطنية والدولية نتيجة لعولمة الاقتصاد، وتنقل الرساميل العالمية والطفرة النوعية للمعلومات الرقمية.
ولعل انخراط المغرب ضمن مسلسل العولمة، حتم عليه التعامل مع هذه المتغيرات بمقاربة سماتها التدرج والتصاعد والتكييف، وذلك وفقا لخصوصية وطبيعة الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المرتبطة بصدور المقتضيات القانونية المنظمة للجماعات الترابية، وبمستوى التقدم الذي تحقق في الوعي الجماعي بالنظام اللامركزي. فقد عمل التنظيم الجماعي الأول –ظهير 23 يونيو1960- على استغراس النهج اللامركزي ودعم الديمقراطية المحلية، بيد أن ظهير 30 شتنبر 1976 إعتبر الجماعات الحضرية والقروية مسؤولة عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، غير أن ظهير 3 أكتوبر 2002 المتعلق بتنفيذ القانون رقم[2]78.00، ثم القانون 17.08 جاء كخطاب تدبيري من خلال الاختصاصات الممنوحة للمجالس الجماعية، بحيث جعل اللامركزية تخرج من البعد السياسي الإداري لتغزو فضاء الاقتصاد، وتصبح الجماعة كمقاولة بامتياز كما أريد لها من خلال الخطاب الرسمي[3].
ومن هذا المنطلق، يعتبر التدبير المحلي مجالا خصبا يمنح فرصا لتطوير طرق التدبير التقليدية للشأن العمومي المحلي، فتطبيق "المقاربة التدبيرية" “Approche managerielle" على هذا المستوى، أصبح ضروريا لتمكين الجماعة الترابية من الآليات الكفيلة بتحقيق دورها التنموي. وتحقيق هذا المطلب يعتمد على الذات، الذي يرتكز على المرافق العمومية، والتي بدونها لا يمكن الحديث عن تراكم اقتصادي أو تكوين رأسمالي، وليست المرافق العمومية الكبرى التي تتجلى في الدولة، ولكن المرافق العمومية بمفهومها الحديث التي تتجلى في مرافق الجماعات الترابية[4]، حيث أن النظريات الاقتصادية الحديثة تأخذ بعين اﻹعتبار الإطار الاقتصادي المحلي، كعنصر أساسي للتحليل الاقتصادي ولتطبيق المخططات الاقتصادية. ولأجل ذلك، فقد أصبحت الجماعات الحضرية والقروية المنشط الرئيسي للدورة الاقتصادية على الصعيد المحلي، وإحدى الميادين والمجالات التي أضحى علم الاقتصاد يهتم بها من كل الجوانب المرتبطة بالمجال الاقتصادي.
انطلاقا من المعطيات السابقة، يتبين لنا أهمية الموضوع، حيث أن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا في تغيير مقاربة الدولة للجماعات الترابية كوحدات ترابية إدارية، إلى جماعات اقتصادية تنافسية، تقوم بتنشيط الدورة الاقتصادية المحلية، وكأحد الشركاء الرئيسيين للدولة، في المبادرات الكبرى وإنعاش الاستثمارات وحل المشاكل الاجتماعية. وهكذا، فقد أصبحت الجماعات الترابية كقطب اقتصادي مهم، يساهم في دعم الاقتصاد المحلي، وفاعل أساسي ليس فقط في مجال نفوذها، بل تعدتها إلى المشاركة في المبادرات التنموية الكبرى، ويتعلق الأمر هنا بالمبادرة الملكية التي أطلق عليها اسم "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، التي تهدف إلى تحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين سواء عن طريق التدخلات الميدانية أو عن طريق الدعم المالي.
تأسيسا على ما سبق، وجدت الجماعات الترابية نفسها مدعوة لكي تتحمل مسؤولية التأسيس لاقتصاد محلي والعمل على تنشيطه، لا سيما في ظل تراجع دور الدولة وتزايد دور السوق في هيكلة المجال الاقتصادي، تحت تأثير تحولات في المرجعية والأنساق الاقتصادية العالمية، حيث أضاف هذا الوضع الجديد أعباء ومسؤوليات ومهاما جديدة على عاتق الجماعات الترابية، وتزايد الطلبات الاقتصادية والاجتماعية الموجهة لها[5].
وفي خضم هذه التطورات، كان لازما التوجه نحو التفكير في إصدار إطار قانوني جديد يواكب ما تعرفه الجماعات الترابية من تحول، ويعطي للجماعات الحضرية والقروية صفة الجماعة المقاولة للألفية الثالثة من جهة، ولتكون الجماعة المقاولة بمثابة الإجابة الصحيحة عن إشكالية التنمية المحلية من جهة ثانية. هذا ما تبين من خلال قانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي لسنة 2002، والقانون 17.08 المعدل له الذي قارب المشرع المغربي من خلاله مجموعة من المفاهيم الجديدة، تجسد مباديء سياسة القرب، وتؤسس لمرجعية الحكامة الجيدة، واضعا بذلك إطارا لتدبير مقاولاتي فعال[6] عبر المرافق العمومية المحلية.
إن تدشين الميثاق الجماعي لسنة 2002 لعهد الجماعة الترابية المتدخلة من خلال المرافق العمومية المحلية، يدخل ضمن الرؤيا الإستراتيجية والشمولية لتأمين تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالجماعة الترابية المتدخلة بما تحيل عليه من استثمار- في الموارد المالية والبشرية-، تحديد الرؤيا الإستراتيجية، إنجاز مخطط استراتيجي، إدخال عنصر الجودة على مستوى الخدمات، تسويق ترابي، الاشتغال بالتقنيات الحديثة للتنظيم والتدبير والمراقبة،... الخ، ستمكن من رسم معالم المسار التنموي بشكل صحيح وتدبير عصري وفعال[7]، سيمكن من تجاوز الطريقة التقليدية لممارسة التدبير المحلي على مستوى الجماعات الحضرية والقروية، التي لم تستطع النهوض بدورها التنموي، كما أن سبب تخلف جماعاتنا لا يرجع بالدرجة الأولى إلى ضعف الوسائل – المالية والبشرية- وإنما يرجع إلى قصور الرؤيا الإستراتيجية لدى المدبر المحلي، ثم إلى الكيفية التي يتم بها تصريف الشأن العام المحلي. وعلى هذا الأساس، تقوم الجماعة المقاولة عن طريق المرافق العمومية المحلية بانجاز مشاريع تنموية تدر عليها مداخيل مالية، تستفيد منها خزينة الجماعة، لكن لا تتصرف فيها كتصرف التاجر أو المساهمين في الشركة التجارية، وإنما تعيد استثمارها في مشاريع وأعمال أخرى لا يهتم بها القطاع الخاص لعدم مردوديتها الربحية.
ومن أجل تحديد مفهوم الجماعة الترابية المتدخلة، فإننا لا نقصد بذلك أن تصبح الجماعة كالمقاولة بمفهومها الضيق، كون أن الجماعة تتوفر على أهداف اجتماعية واقتصادية وثقافية محددة، وترمي إلى تحقيق الصالح العام، في حين أن المقاولة لها هدف وحيد هو تحقيق الربح المادي. وبالتالي فان مفهوم الجماعة الترابية المتدخلة يتجاوز المفهوم الشكلي للجماعة كجهاز، ليقوم بالتركيز على طبيعة النشاط الذي تقوم هذه الأخيرة بمنظور مقاولاتي، أي ينظر إلى الكيفية التي يتم بها إنجاز المهام الموكولة للجماعات الحضرية والقروية. فالجماعة الترابية المتدخلة هي تلك الجماعة التي تتمكن من وضع وتحديد الرؤيا لتحقيق أهدافها التنموية في إطار مخطط استراتيجي، بتوظيفها لمجموع الوسائل والآليات التدبيرية الحديثة التي تكفل النجاح للمقاولة في القطاع الخاص، سواء من حيث نظامها الإداري والتنظيمي، أو من حيث مواردها المالية ورأسمالها البشري.
إن ربح رهان الجماعة الترابية المتدخلة بواسطة المرافق العمومية المحلية، يقتضي جعلها قابلة لتبني آلية الحكامة الجيدة في التدبير المحلي. كما أن ربح هذا الرهان، يعتمد على مجموعة من الشروط الموضوعية – توفير وتدبير الوسائل المالية والبشرية- والذاتية، وذلك من خلال الرفع من مستوى المنتخب الجماعي، لأن الجماعة الترابية المتدخلة تحتاج إلى رئيس جماعي بمواصفات المقاول الناجح، الذي يسهرعلى تسير جماعته بطرق حديثة وراقية في إطار التدبير التشاركي، ومبرر ذلك كون الجماعة أصبحت تتعامل في إطار شراكات وتعاقدات مع مقاولات وشركات وطنية وعالمية، والتدبير المفوض على سبيل المثال.
وتعتبر المحددات القانونية والبشرية والمادية، العنصر الأساسي للتدبير المقاولاتي عن طريق المرافق العمومية المحلية، وإضافة إلى ذلك، فإن الجماعة تحتاج إلى مقومات نوعية جديدة ترسخ الحكامة الجيدة. ويمكن الإشارة على وجه الخصوص إلى الشفافية والتواصل والإدارة الالكترونية وتبسيط المساطر الإدارية، كما تشكل الدعامات ذات الطبيعة الرقابية من بين الإجراءات المهمة التي تساعد في تحقيق تدبير مقاولاتي فعال، حيث تسمح بتتبع وتقييم العمل المحلي من حيث معرفة مظاهر القوة والضعف التي تمكن من تحديد مستوى أداء الجماعة عن طريق المرافق العمومية المحلية.
تأسيسا على ما سبق،فان الاشكالية الرئيسية للموضوع تتحدد فيما يلي
§ إلى أي حد يمكن الحديث عن التدخلات الاقتصادية للجماعات المحلية عبر المرافق العمومية المحلية ؟.
§ ثم كيف تطورت هده التدخلات وما ابرز تجلياتها ؟.
للاجابة عن هده الاشكالية سنقسم هدا الموضوع الى مبحثين

المبحث الأول: المقومات والآليات التدبيرية للتدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية عبر المرافق العمومية المحلية
المبحث الثاني: استراتيجية الجماعات الترابية في انعاش الاقتصاد المحلي عبر المرافق العمومية المحلية
المبحث الأول:
المقومات والآليات التدبيرية
للتدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية عبر المرافق العمومية المحلية

تعتبر الديمقراطية المحلية بحق أكبر دليل على انفتاح الدولة على مجتمعها، وقد وجدت في التنظيم الإداري المحلي فضاء خصبا للتطبيق العملي، ومجالا مناسبا لتنظيم مشاركة المواطنين في الحياة السياسية للبلاد[8]؛ وهكذا عرفت وظيفة التدبير المحلي عدة تطورات تبعا لتطور وظيفة الدولة، بحيث ارتبط مفهوم التدبير المحلي في بدايته بتمثيلية السكان وتقديم الخدمات الإدارية، ليتسع بعد ذلك ليشمل كل الميادين والمجالات.
لقد أدى اعتماد اللامركزية كسياسة، إلى مطالبة البلديات بالانتقال من دورها الإداري إلى دور أكثر تدخلا، ففي أوروبا مع بداية القرن العشرين خاضت البلديات معركة ضد ارتفاع الأسعار وقلة المواد الغذائية وأزمة النقل والسكن، واستطاعت أن تفرض نفسها كمحاور اقتصادي مؤكدة إدراكها العميق لحقيقة الدور الذي يجب أن تلعبه لفائدة المواطن/الزبون[9]: أي أن مهامها ارتقت من التمثيل والنيابة في تسيير الشؤون الإدارية إلى خدمة مصالحه الاقتصادية[10] والاجتماعية.
وفي إطار آخر، تعتبر الجماعات الحضرية والقروية في المغرب الخلية الأساسية في التنظيم اللامركزي، فقد حظيت بمكانة هامة في مسلسل الإصلاحات الدستورية والسياسية والإدارية، حيث تم الارتقاء بالتنظيم الجماعي إلى مرحلة جديدة لملاءمة التحولات المتلاحقة التي يعرفها مسلسل التغيير محليا ووطنيا وحتى دوليا.
واعتبارا لفعالية ودينامية المؤسسات المحلية، ولما حققته من تطور خلال الربع الأخير من القرن الماضي، فقد أجمعت السلطات العمومية والقوى السياسية في إطار من التوافق على ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية المحلية التي أصبحت شيئا وواقعا ملموسا، وهي من المبادئ والمكتسبات لا على الصعيد الوطني فحسب، ولكن حتى على الصعيد الدولي.
كما أن عملية التدبير الجماعي عرفت نقلة نوعية، إذ انتقلت من التسيير الإداري إلى التسيير الشبه الاقتصادي، إلى التدبير المقاولاتي الذي يعتبر السمة المميزة للميثاق الجماعي لسنة 2002، وللقانون 17.08 إذ يشكل البعد الاقتصادي في تحديد مفهوم الجماعات الترابية اتجاها أكثر إلحاحا، بسبب التحديات التي يطرحها ما يعرف "باقتصاديات السوق"، بقيادة الليبرالية الجديدة، التي أفرزت العولمة بكل مظاهرها وأبعادها، وبسبب الأسلوب الجديد في تدبير الشأن العمومي والخاص Management وهو أسلوب التدبير المقاولاتي. وبذلك أصبحت الجماعات الحضرية والقروية ذات أدوار أكثر تدخلية، وأصبح حضورها الاقتصادي في ميدان التشغيل والتنشيط والتحفيز من الأولويات، وأصبح الحديث واقعا عن الجماعة المقاولة بواسطة المرافق العمومية المحلية[11].
فإلى أي مدى صاغ الميثاق الجماعي الجديد فكرة التدبير المقاولاتي عن طريق المرافق العمومية المحلية؟(المطلب الأول)، وما هي إستراتيجية الجماعات الترابية في انعاش الاقتصاد المحلي؟ (المطلب الثاني ).
المطلب الأول:التدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية:المرتكزات والآليات

إن مرحلة التوجه الديمقراطي الذي يعيشه المغرب، لا يختزل فقط في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل يمتد إلى الجماعات الترابية، خصوصا القاعدية "الجماعات الحضرية والقروية"، هذه الأخيرة أخذت حيزا كبيرا في النقاش العمومي، تمخض عنه الاقتناع بالتهيء للدخول لمرحلة جديدة للجماعات الترابية تتفاعل مع فلسفة العولمة من الناحية النظرية على الأقل. هذه المرحلة ترمي إلى القطيعة مع المرحلة السابقة، بنقل الممارسة التدبيرية من الطابع الإداري البيروقراطي، إلى التدبير المقاولاتي، أي أن تصبح الجماعة كمقاولة من حيث تدبيرها وتسييرها لإستراتيجيتها التنموية.
ووعيا منه بأهمية ضرورة مواكبة هذه المتغيرات، كمحدد رئيسي لمنطق السياسة العمومية في هذا العهد الجديد، بادر المشرع المغربي إلى مراجعة الإطار القانوني للجماعات الحضرية والقروية بصدور الميثاق الجماعي سنة2002 [12] والقانون المعدل له رقم 17.08، ليعكس الفلسفة والتصور الجديد لدور المجالس الجماعية (الفرع الأول) كمقاولة، كما تتجلى هذه الفلسفة في الآليات (الفرع الثاني) التي تتيح لها التدخل في تدبير الشأن المحلي.
الفرع الأول: التصور الجديد لدور المجالس الجماعية
عرف نمط التدبير المحلي في المغرب تطورا عميقا، إذ انتقل من مجرد سلطة إقتراحية إلى أخرى تقريرية، وقد أملى التقدم المحقق في هذا المجال التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب، وهكذا بصدور قانون رقم 78.00 لسنة 2002 والقانون المعدل له رقم 17.08، تم اﻹرتقاء بالعمل الجماعي من نمط التسيير الإداري التقليدي إلى نمط التدبير الحديث بمفهومه الواسع، المرتكز على مؤشرات الفعالية، النجاعة، الاقتصاد، وذلك في ترجمة للاختصاصات المخولة للمجالس الجماعية على أرض الواقع.
وقد حرص المشرع المغربي في صياغته لمحتويات النص القانوني على دقة وتحديد الاختصاصات وتوزيعها بشكل يبرز معالم التدبير المقاولاتي، ورغم هذا التوضيح والتوزيع الهندسي للاختصاصات فإنها لا تمارس بشكل عشوائي وارتجالي، إنما يتم بلورتها في بعد شمولي، تحدد فيه الأولويات والحاجيات في إطار فلسفة التخطيط الاستراتيجي الذي يحدد الرؤيا الخاصة لدى الفريق المسير للجماعة في تدبيره للشأن المحلي.
الفرع الثاني: آليات تدخل الجماعة عبر المرافق العمومية المحلية
إن إرهاصات التدبير المقاولاتي جاءت متضمنة للميثاق الجماعي لعام1976، ﻹعتباره الجماعة إطارا وخلية للتنمية المحلية، لكن تفعيل ذلك لم يتم بالشكل المطلوب، إذ جاء النص القانوني متطورا ومتقدما إن صح التعبير على الوعي بالتدبير المحلي من جهة، وتواضع الوسائل المالية والبشرية من جهة أخرى. ومع ذلك فقد راكمت الجماعات الترابية تجربة لا بأس بها أهلتها للدخول في مرحلة جديدة لمواكبة التحولات النوعية التي فرضتها العولمة من تنافسية وتحديات.
ولأجل ذلك، تمت صياغة الميثاق الجماعي لسنة 2002 في حلة جديدة تختزل مؤشرات رفع رهان هذا التحدي كما تم ادخال مجموعة من التعديلات عليه من خلال قانون 17.08، وتسجل بذلك منعطفا حاسما لمسار اللامركزية القاعدية، وتدشن مرحلة جديدة تترجم عبر منظومتها القانونية وما تتسم به من تأصيل وتدقيق تعكس الرؤيا الإستراتيجية للمشرع المغربي، باعتبارها مقاولة تنتج خدمات بكفاءة وجودة، معتمدة في ذلك على أساليب مستمدة من القطاع الخاص، وتكييفها وملاءمتها لضوابط المرفق العام.
وفي هذا السياق، عمل المشرع المغربي على تقوية الحس المقاولاتي لدى المنتخب الجماعي من خلال منحه مجموعة من الوسائل والآليات للتدخل، ويأتي على رأسها آلية المرفق العمومي (الفقرة الأولى) كنموذج يجسد عناصر التجديد والتحديث في أسلوب تدبيره، سواء من طرف المجالس الجماعية أو إشراك القطاع الخاص في ذلك، وفي إطار آخر تشكل آلية التعاون ما بين الجماعات (الفقرة الثانية) مقاربة تترجم التوجه الحديث للتدبير التشاركي من خلال تعبئة الوسائل والموارد قصد تحقيق مشاريع مشتركة في إطار التضامن المجالي.
و تعتبر المرافق العمومية المحلية، إحدى الوسائل القانونية التي يمكن للمجالس الجماعية أن تتدخل بواسطتها؛ لتلبية حاجيات السكان من الخدمات الاقتصادية والاجتماعية[13]. وإذا كان الميثاق الجماعي لسنة 1976، قد خول للجماعة مسؤولية إحداث وتدبير المرافق المحلية[14]، إلا أن الممارسة ظلت محدودة ومقتصرة على ميادين معينة في هذا المجال، وبالتالي فإن تدبيرها ظل أمرا ثانويا، لكن الميثاق الجماعي[15] لسنة 2002 وكذلك قانون رقم 17.08، منح المجالس الجماعية حرية التقرير في إحداث المرافق العمومية داخل دائرة اختصاصها الترابي في مجموعة من القطاعات الحيوية، وترك أيضا لها حرية التقرير في طرق تدبيرها. وتهدف المرافق الجماعية المحلية إلى تقديم خدمات[16] وتوفير حاجة اجتماعية لم تتمكن المبادرة الخاصة من تغطيتها لبعض الأسباب، أو أنها تدرك مسبقا أن الشروط المطلوبة لا تشجع على المغامرة في الإقدام عليها[17].
وحسب المقتضيات القانونية، فإن هناك مجموعة من المرافق الجماعية تتمثل أساسا في مرفق الماء والكهرباء، النقل العمومي، مرفق التطهير. وإذا كانت الجماعة الحضرية قد تكيفت مع تنظيم وإنشاء بعض المرافق التقليدية فإن الجماعة القروية هي الأخرى ثم إشراكها في تسيير أراضي الجموع والملك الغابوي[18].
فقد تم إحداث المرافق الاقتصادية ذات الطابع التجاري والصناعي، ولهذا فان تطور وظيفة الجماعة أصبحت تطرح عليها مهام تعد من صميم مسؤوليتها الجماعية، مثل عمليات التموين والتسويق والتوزيع، لأجل المساهمة في تنشيط الرواج الاقتصادي داخل الجماعة[19].
وعليه، فإن تعريف المرافق الصناعية والتجارية يستند إلى تحقيق الربح[20]، الأمر الذي سيدعم دور الجماعة في صنع القرار الاقتصادي المحلي، خاصة وأن المشرع المغربي في قانون رقم 78.00 وقانون رقم17.08، أتاح لها إحداث عدة أشكال لتدبير المرافق المحلية السياحية والتجارية أو الصناعية، التي بواسطتها يمكن التحكم في الدورة الاقتصادية المحلية.
إن تبني منهجية تعتمد أسلوب التدبير "Management"، والتي ترتكز بالأساس على قدرة المسيرين على التجديد والإبداع[21]؛ في اختيار طرق المرافق الصناعية والتجارية مابين الوكالة المستقلة، الوكالة المباشرة، الامتياز، وكل طريقة من طرق التدبير المفوض، الشيء الذي يفرض وجود مواصفات المدبر المقاول "Manager" في شخص رئيس المجلس الجماعي، أي توفره على مؤهلات تدبيرية تتخذ من تقنيات التفاوض والتعاقد شروطا أساسية للدخول في سلسلة من المفاوضات والمشاورات، تمكنه من الاختيار الأنسب للتقرير في طرق تدبير المرافق الاقتصادية.
إن التصور الجديد للجماعة لا يكمن في تبنيها لأساليب وآليات التدبير لدى القطاع الخاص فقط، بل يكمن في رؤية المسيرين المحليين لخلق إطار تكاملي مع المستثمرين، أي الخواص سواء من خلال تفويض التدبير لبعض المرافق الصناعية والتجارية. وهذا الأسلوب أصبح مفضلا لدى الكثير من الجماعات الترابية، لكونه يجعل الجماعة تتوفرعلى مرافق في مستوى تلك التي تتوفر عليها المدن العالمية، مع تقوية تنافسيتها في جلب الاستثمارات، والسياحة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية هناك أسلوب إشراك القطاع الخاص في تدبير المرافق الجماعية 2.
المطلب الثاني : إشراك القطاع الخاص في التدبير: المقاولات وشركات الاقتصادالمختلط[22]
إن المنظور الاقتصادي للجماعة ، جعل منها أداة فعالة لتنشيط الحياة الاقتصادية داخل تراب الجماعة الترابية، من خلال مساهمتها في المقاولات[23]، وكذلك الشركات ذات الاقتصاد المختلط.
وفي هذا اﻹطار، تعد مساهمة الجماعة في المقاولات شكلا من أشكال تدخل الجماعة ، بحيث سمح لها القانون رقم17.08 في حدود اختصاصها بتشجيع الخواص، إما بتقديم مساعدات مالية[24] عند دراسة المشروع، وإما بالبحث والمساعدة التقنية، إذ في كثير من الأحيان لا يحتاج الأمر إلى توفير المعطيات فقط، بل إلى التشجيع والحث المعنوي كذلك، لهذا توجد وسائل متعددة للتشجيع والتنويه عند القيام بإحدى المشاريع، أو الأشغال التي تعود على اقتصاد الجماعة بالنفع، مما يكرس روحا من المبادرة والثقة، واستثمار الأموال والطاقات.
ومن شأن ذلك منح إمكانية شراكة –بين الجماعة والمقاولة الخاصة- باستعمال الوسائل التقنية والمالية والتدبيرية للقطاع الخاص[25]، ويبقى الوجه الرئيسي الذي تتدخل الجماعة فيه هو مساعدة القطاع الخاص بشكل مباشر على الاستثمار، بواسطة تقديم مساعدات مادية للمقاولات، أو بشكل غير مباشر، عبر تسهيلات فوق أرض الجماعة، بإعداد المناطق الصناعية لاستقطاب القطاع الخاص، أو من خلال منح ضمانات ضرورية لضمان القروض[26]. فالجماعة لابد أن تلعب دور المنعش المحلي، ولابد أن يكون مجهودها محركا لدور الفعاليات الاقتصادية الأخرى، كما يجب عليها أن تقوم بتقديم مساعدات نوعية للمقاولات التي تعرف صعوبات، خاصة إذا كانت توفر خدمات ذات أهمية إستراتيجية في حياة السكان المحليين، وﻹعتبار المصلحة العامة المحلية[27] .
فدور الجماعة يكمن في إعطاء تسهيلات مادية، إدارية، وعملية لكثير من المقاولين الشباب، الذين يتوفرون على مهارات وقدرات بشرية هامة، ويفتقرون في توظيفها لبعض الوسائل التي تكون بسيطة لإخراج مشاريعهم لحيز الوجود، وهو ما يمثل أفقا ديناميكيا يدعم سياسة التشغيل.
أما فيما يخص الوجه الآخر لتدخل الجماعة ، فهو إنشاء شركات ذات الاقتصاد المختلط[28]، وهذا الشكل يتم في إطار تنظيمي يحكمه القانون الخاص –بإشراك القطاع الخاص والجماعاتالترابية – قصد تحقيق غرض اجتماعي مشترك يتم عبر مقرر يتخذه المجلس التداولي ويخضع بعد ذلك لمصادقة سلطة الوصاية[29]. هذه الطريقة تسمح بالاستفادة من مرونة القانون الخاص، وتنسجم مع التوجهات الجديدة في ميدان التدبير العمومي المقاولاتي، الذي يشير إلى ضرورة الاستفادة من تقنيات التدبير المقاولاتي المعمول بها في القطاع الخاص وربط شراكة معه. وبانفتاح الجماعات الترابية على هذه الطريقة سيجعل منها جماعة مقاولة بامتياز، تنسجم مع الخطاب الرسمي في استشرافه لدور الجماعات الترابية[30]. وهكذا، أصبحت شركات الاقتصاد المختلط أداة للنهوض بالتنمية على الصعيدين المركزي و اللامركزي[31].
وغالبا ما تنشأ شركات الاقتصاد المختلط لأجل إنجاز عمليات التهيئة، والبنية التحتية، من أجل الاستثمار في مرافق عمومية ذات طابع صناعي وتجاري[32]. وفي هذا الإطار، نشير إلى بعض الشركات التي تأسست على الصعيد المحلي بين الجماعات المحلية وقطاع الخواص، منها شركة "صوطرمي" الشركة المعدنية والطبية لمولاي يعقوب التي تأسست سنة 1978 بهدف بناء واستغلال مؤسسة معدنية والاستجمام، ثم بناء واستغلال مركز الإيواء يضم فندقا ومجموعة دور سكنية. وهذه الشركة تضم عشرة مساهمين من بينهم ست جماعات محلية بالإضافة إلى المجلس الإقليمي، وولاية فاس، وهناك صندوق الإيداع والتدبير والقرض العقاري والفندقي، وأخيرًا بعض الخواص في حدود 3 ,0% من الرأسمال، بينما تبلغ مساهمة جماعة فاس 2, 7 % من الرأسمال[33]، ثم كذلك شركة "المامونية"، بحيث تولت هذه الشركة إعداد وتهيئة وتسيير فندق المامونية بمدينة مراكش، وساهم فيها كل من المكتب الوطني للسكك الحديدية، وصندوق الإيداع والتدبير، والقرض العقاري والسياحي، وبلدية مراكش، وقد عرفت هذه الممارسة نشاطا متزايدا نظرا لما تدره من موارد مالية للجماعات[34].
الفرع الاول : تفويض التدبير للقطاع الخاص: التدبير المفوض
إن تأثير سياسة الخوصصة التي لجأت إليها الدولة مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بتفويتها ونقلها لتسيير بعض المرافق العمومية إلى القطاع الخاص بشكل نهائي، امتد إلى المرافق العامة المحلية بمنحها أسلوب التدبير المفوض للخواص، إلا أن الجماعات الترابية لم تصل بعد إلى هذه المرحلة[35]. فتفويت بعض الجماعات الترابية لمرافقها العمومية المحلية إلى الخواص له عدة فوائد اقتصادية، وفي مقدمتها الاستفادة من الرساميل العالمية، وتحريك الدورة الاقتصادية المحلية، وتجهيز البنيات التحتية. كما أن البحث عن الجودة بمعايير ومواصفات عالمية للخدمات العمومية المحلية، دفعت بالجماعات الترابية إلى البحث عن أسلوب جديد يزيد من إنتاجية المرافق العامة المحلية، وتحديثها انطلاقا من أسلوب التدبير المفوض.
وعلى الرغم من حداثة استعمال هذا المفهوم، حيث استعمل لأول مرة في فرنسا في قانون 6 فبراير 1992 المتعلق بالإدارة الترابية[36]، فقد عرف انتشارا واسعا وإقبالا متزايدا من طرف الجماعات الترابية. إلا أن التجربة المغربية لم تتجاوز عقدا من الزمن على دخول مسلسل التدبير المفوض[37]، ومع ذلك يؤكد بعض الباحثين أن الإرهاصات الأولية لهذا الأسلوب تعود لقرن من الزمن، فهو نتيجة لتطور تاريخي عرفه المغرب منذ عهد اتفاقية الجزيرة الخضراء[38] لسنة 1906، التي فرضت على الدولة المغربية فتح مرافقها العامة أمام الشركات الاستعمارية، وبذلك فان تدبير المرافق العمومية عرف صيرورة تاريخية، ومر بأشكال متعددة من طرق التسيير، وكان آخرها أسلوب التدبير المفوض. ويشكل هذا الأخير أحد أوجه الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، لأجل خلق إطار للتعامل بين الجماعات الترابية والخواص بما يخدم سياسة الاستثمار المحلي.
هكذا يخدم التدبير المفوض مصالح الجماعة ، لأنها تستفيد بامتياز من نقل الخبرات، والتكنولوجيا الحديثة إلى قطاع الخدمات العمومية[39]. وفي إطار التنافسية التي يعرفها القطاع الخاص، فمن المنطقي أن تلجأ الشركات إلى تقوية تنافسيتها في سوق تنفتح بوثيرة متسارعة، مما يحتم عليها تطوير تقنياتها ووسائل اشتغالها، ووضعها رهن إشارة الجماعات الترابية الراغبة في الاستفادة منها، كما يمثل فرصة سانحة لاحتكاك الأطر المغربية بنظيراتها الأجنبية والاستفادة من خبراتها.
الفرع الثاني: التعاون ما بين الجماعات
يعتبر التنظيم من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تحقيق أفضل النتائج في ميدان التسيير الجماعي، كما يمكن من تفادي العديد من الأخطاء التي ترتكب غالبا بسبب الإهمال واللامبالاة ؛ ويعد التعاون ما بين الجماعات نوعا من التنظيم العقلاني للسلوك الجماعي، أكدت التجارب على فعاليته في احتواء الصعوبات والتخفيف من حدة المشاكل التي تعرفها الجماعات[40].
فالتعاون وسيلة تستخدمها الجماعات الترابية لتقليص حجم مشاكلها، وتسير بها أهدافها وطموحاتها، وتعينها على تنفيذ برامجها، إذ بفضل ذلك تستطيع الجماعات الترابية تحقيق الاستخدام الأمثل لخيراتها المشتركة بالبحث عن أوجه التكامل في ما بينهما، واختصار المشاريع بغية التقليص من التكاليف واستغلال الخيرات المتوفرة لدى كل منها[41]. وبذلك يشكل التعاون ما بين الجماعات تجسيدا للتنمية التشاركية التي تعتمد على مبادئ التكامل والاندماج والتضامن والتشارك.

اولا: تطور المنظومة القانونية للتعاون الجماعي
اتخذ التعاون في ما بين الجماعات في البداية شكل النقابة الجماعية، واعتبر في الميثاق الجماعي الأول 1960 كوسيلة لإشراك بعض الجماعات في تدبير بعض المرافق العامة ذات الفائدة المشتركة، وفي الواقع كان استخدام النقابات ضعيفا للغاية بسبب التطور الذي عرفته الوكالات المستقلة فيما بين الجماعات المحدثة لسنة 1964[42].
وبالتالي فإن صيغة النقابة الجماعية، كانت سابقة محمودة في مضمار التعاون الجماعي الذي ظل حاضرا أيضا في التنظيم الجماعي لسنة1976 والذي ربط التعاون الجماعي بالمشاركة الاختيارية، وطلب الفائدة المشتركة، مما حال دون تحقيق الأهداف المتوخاة، وعلى الرغم من كون هذا النوع من التعاون يتركز بالأساس على مبدأ المشاركة الاختيارية، والتمثيلية على أساس المساواة ودون اعتبار لمقدار المساهمة المادية، ودون اعتبار كذلك لطبيعة الجماعة الحضرية أو القروية، إلا أنه ظل دون تحقيق النتائج المرغوبة على مستوى الواقع[43]، كما أنه لم يحظى بالقبول من قبل الجماعات ذات الإمكانيات المادية الكبيرة، لأنها تعتبر الانخراط في مثل هذا النوع من التعاون مع الجماعات الضعيفة الدخل غير ذي جدوى.
إلا أنه في الميثاق الجماعي[44] لسنة 2002، عمل المشرع على تطوير التعاون بين الجماعات متوخيا بذلك تقوية الحس المقاولاتي، وتقوية حس المبادرة من أجل خلق مشاريع اقتصادية بين المجالس الجماعية، وبالخصوص المجالس القروية التي تفتقر إلى المؤهلات البشرية والموارد المالية الضرورية، علما بأن وضع حصص مالية في صندوق مشترك تديره المجموعة سيساعد على ترشيد النفقات وعلى تسيير معقلن للآليات. وفي هذا الإطار، نسجل أن القانون رقم 78.00 الصادر في سنة 2002، استبدل مفهوم النقابة بمفهوم مجموعة الجماعات، ونص على إمكانية التعاون بين الجماعات الحضرية والقروية وجماعات محلية أخرى(العمالات أوالأقاليم أوالجهات)، أو مع الادرارت العمومية أو المؤسسات العامة أو الهيئات غير الحكومية ذات المنفعة العامة،[45] كلما كان هناك عمل مشترك أو لتدبير مرفق دو فائدة مشتركة[46].
ويمكن بموجب قانون78.00 وقانون رقم 17.08، أيضا إبرام اتفاقيات التوأمات والتعاون اللامركزي، والانخراط في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية، وكل أشكال التبادل مع الجماعات الترابية الأجنبية بعد موافقة سلطة الوصاية. وقد استثنى إبرام اتفاقية بين جماعة أو مجموعة الجماعات المحلية ودولة أجنبية لأننا نتبع نظام اللامركزية الإدارية وليس اللامركزية السياسية. وبذلك فإن المقتضيات القانونية سواء في قانون "78.00" أو في قانون رقم 17.08 المغير والمتمم لهذا الأخير في بابه السابع، وضعت الإطار القانوني للتعاون والشراكة داخل المغرب مع جماعات وهيئات أجنبية، ومن ثم وضع حد للجدل الواسع داخل الأوساط الجماعية حول أحقية الجماعات الترابية المغربية في إبرام اتفاقيات شراكة أو توأمات مع الخارج، بدعوى عدم اختصاصها القانوني وأن الدولة هي صاحبة الوظائف السيادية وهي وحدها التي تتدخل على المستوى الخارجي.
ثانيا: مزايا وأهداف التعاون الجماعي
تشكل صيغة التعاون ما بين الجماعات إحدى أهم الآليات التي توظفها الجماعة الترابية لتجسيد التنمية التشاركية، بعناصرها ومفهومها الواسع، نظرا للمزايا العديدة التي تحققها، وتتمثل هذه الأخيرة خاصة في الاستجابة أكثر للحاجيات المتزايدة للسكان. فالتعاون ينم عن ذلك السلوك العقلاني الذي يجب أن يحكم عقلية المنتخب المحلي، إذ بفضله يتم تحقيق مردودية أكبر، وبالتالي تحقيق التوازن للجماعة، أي تحقيق أكبر قدر من المنفعة بأقل الوسائل الممكنة. كما أن الاستخدام الأمثل للوسائل والطاقات يعد سمة مميزة للتعاون الجماعي، إذ أن تجميع الوسائل المتوفرة لدى الجماعات الحضرية والقروية المتواجدة في مجال له خاصيات التجانس، الامتداد الجغرافي، المناخي، السوسيولوجي، تشكل طريقة فعالة لمواجهة النفقات والصعوبات التي تنتج عن النمو الاقتصادي، كما تتجلى في توسيع المجال الترابي عن طريق الاستغلال المشترك للأراضي والعقارات المتوفرة لدى كل منها مما يحقق التكامل فيما بينهما[47]. وهذه الحالة جد ممكنة بين الجماعات الحضرية والقروية، فالمدينة تجد متنفسا لها خارج حدودها؛ فتحقق توسعها الحضري وتتمكن من إنجاز مشاريعها، أما الجماعة القروية أو المجاورة فتستفيد من تلك المشاريع التي كانت تفتقر إليها؛ ومن الخبرات والتجهيزات التي تمتلكها ا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق